الاعتبار غير ممتنع ، ولا يطلق [عليه] أنه حدث بعد أن لم يكن ، ألا ترى أن من تكلم اليوم وكان متكلما بالامس لا يقال : أنه حدث له الكلام ، ولو كان غير متكلم ، لأنه لآفة كالصغر (٦٨). والخرس ، ثم تكلم يقال ـ : حدث له الكلام ، فالساكت لغير آفة يسمى متكلما بالقوة ، بمعنى أنه يتكلم اذا شاء ، وفي حال تكلمه يسمى متكلما بالفعل ، وكذلك الكاتب في حال الكتابة هو كاتب بالفعل ، ولا يخرج عن كونه كاتبا في حال عدم مباشرته الكتابة.
وحول الحوادث بالرب تعالى ، المنفي في علم الكلام المذموم ، لم يرد نفيه ولا اثباته في كتاب ولا سنة ، وفيه اجمال : فان أريد بالنفي أنه سبحانه لا يحل في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة ، أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن ـ فهذا نفي صحيح. وان أريد [به] نفي الصفات الاختيارية ، من أنه لا يفعل ما يريد ، ولا يتكلم بما شاء اذا شاء ، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى ، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والاتيان كما يليق بجلاله وعظمته ـ فهذا نفي باطل.
وأهل الكلام المذموم يطلقون نفي حلول الحوادث ، فيسلم السني للمتكلم ذلك ، على ظن أنه نفى عنه سبحانه ما لا يليق بجلاله ، فاذا سلم له هذا النفي ألزمه نفي الصفات الاختيارية وصفات الفعل ، وهو [غير] لازم له. وانما أتي السني من تسليم هذا النفي المجمل ، والا فلو استفسر واستفصل لم ينقطع معه.
وكذلك مسألة الصفة : هل هي زائدة على الذات أم لا؟ لفظها مجمل ، وكذلك لفظ الغير ، فيه اجمال ، فقد يراد [به] ما ليس هواياه ، وقد يراد به ما جاز مفارقته له.
ولهذا كان أئمة السنة رحمهمالله تعالى لا يطلقون على صفات الله وكلامه أنه غيره ، ولا أنه ليس غيره. لان اطلاق الاثبات قد يشعر أن ذلك مباين له ، واطلاق النفي قد يشعر بأنه هو هو ، اذا كان لفظ الغير فيه اجمال ، فلا يطلق الا مع البيان والتفصيل : فان أريد به أن هناك ذاتا مجردة قائمة بنفسها منفصلة عن الصفات الزائدة عليها ـ فهذا غير صحيح ، وان أريد به أن الصفات زائدة على الذات التي
__________________
(٦٨) في المطبوعة كالصغير.