الامتناع من قولنا : لم يزل الحادث ممكنا ، فقد لزمهم فيما فروا إليه أبلغ مما لزمهم فيما فروا منه! فانه يعقل كون الحادث ممكنا ، ويعقل ان هذا الامكان لم يزل ، وأما كون الممتنع ممكنا فهو ممتنع في نفسه ، فكيف اذا قيل : لم يزل امكان هذا الممتنع؟! وهذا مبسوط في موضعه.
فالحاصل : أن نوع الحوادث هل يمكن دوامها في المستقبل والماضي أم لا؟ أو في المستقبل فقط؟ أو الماضي فقط؟
فيه ثلاثة أقوال معروفة لأهل النظر من المسلمين وغيرهم :
أضعفها : قول من يقول ؛ لا يمكن دوامها لا في الماضي ولا في المستقبل ، كقول جهم بن صفوان وأبي الهديل العلاف.
وثانيها قول من يقول : يمكن دوامها في المستقبل دون الماضي ، كقول كثير من أهل الكلام ومن وافقهم من الفقهاء وغيرهم.
والثالث : قول من يقول : يمكن دوامها في الماضي والمستقبل ، كما يقوله أئمة الحديث ، هي [من] المسائل الكبار. ولم يقل أحد يمكن دوامها في الماضي دون المستقبل.
ولا شك أن جمهور العالم من جميع الطوائف يقولون : ان كل ما سوى الله تعالى مخلوق كائن بعد أن لم يكن ، وهذا قول الرسل وأتباعهم من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم :
ومن المعلوم بالفطرة أن كون المفعول مقارنا لفاعله لم يزل ولا يزال معه ـ ممتنع [محال] ، ولما كان تسلسل الحوادث في المستقبل لا يمنع أن يكون الرب سبحانه هو الآخر الذي ليس بعده شيء ، فكذا تسلسل الحوادث في الماضي لا يمنع أن يكون سبحانه وتعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء. فان الرب سبحانه وتعالى لم يزل ولا يزال ، يفعل ما يشاء ويتكلم إذا يشاء. قال تعالى : (قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) آل عمران : ٤٠. وقال تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) البقرة : ٢٥٣. وقال تعالى : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ. فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) البروج : ١٥ ـ ١٦. وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) لقمان : ٢٧. وقال تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي