كلامه ما يدل على أنه لا يمنعه في المستقبل ، وهو قوله «والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان» ، وهذا مذهب الجمهور كما تقدم. ولا شك في فساد قول من منع ذلك في الماضي والمستقبل ، كما ذهب إليه الجهم وأتباعه ، وقال بفناء الجنة والنار ، لما يأتي من الادلة ان شاء الله تعالى.
وأما قول من قال بجواز حوادث لا أول لها ، من القائلين بحوادث لا آخر لها ـ فأظهر في الصحة من قول من فرق بينهما ، فانه سبحانه لم يزل حيّا ، والفعل من لوازم الحياة ، فلم يزل فاعلا لما يريد ، كما وصف بذلك نفسه ، حيث يقول : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ. فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) البروج : ١٥ ، ١٦.
والآية تدل على أمور :
أحدها : أنه تعالى يفعل بإرادته ومشيئته.
الثاني : أنه لم يزل كذلك ، لانه ساق ذلك في معرض المدح والثناء على نفسه ، [و] أن ذلك من كماله سبحانه ، ولا يجوز أن يكون عادما لهذا الكمال في وقت من الاوقات. وقد قال تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) النحل :
١٧. ولما كان من أوصاف كماله ونعوت جلاله لم يكن حادثا بعد أن لم يكن.
الثالث : أنه اذا أراد شيئا فعله ، فان «ما» موصوله عامة ، أي : يفعل كل ما يريد أن يفعله ، وهذا في ارادته المتعلقة بفعله. وأما ارادته المتعلقة بفعل العبد فتلك لها شأن آخر : فان اراد فعل العبد ولم يرد من نفسه أن يعينه عليه ويجعله فاعلا لم يوجد الفعل وان أراده حتى يريد من نفسه أن يجعله فاعلا. وهذه هي النكتة التي خفيت على القدرية والجبرية ، وخبطوا في مسألة القدر ، لغفلتهم عنها ، وفرق بين ارادته أن يفعل العبد وإرادة أن يجعله فاعلا ، وسيأتي الكلام على مسألة القدر في موضعه ان شاء الله تعالى.
الرابع : أن فعله وارادته متلازمان ، فما أراد أن يفعل فعل ، وما فعله فقد اراده. بخلاف المخلوق ، فانه يريد ما لا يفعل ، [وقد يفعل] ما لا يريده. فما ثمّ فعّال لما يريد الا الله وحده.
الخامس : اثبات ارادات متعددة بحسب الافعال ، وأن كل فعل له إرادة