تخصه ، هذا هو المعقول في الفطر ، فشأنه سبحانه أنه يريد على الدوام ويفعل ما يريد.
السادس : أن كل ما صح أن تتعلق به ارادته جاز فعله ، فاذا أراد أن ينزل كل ليلة الى سماء الدنيا ، وأن يجيء يوم القيامة لفصل القضاء ، وأن يري عباده نفسه ، وأن يتجلى لهم كيف شاء ، ويخاطبهم ، ويضحك إليهم ، وغير ذلك مما يريد سبحانه ـ لم يمتنع عليه فعله ، فانه تعالى فعّال لما يريد. وانما يتوقف صحة ذلك على اخبار الصادق به ، فاذا أخبر وجب التصديق ، وكذلك محو ما يشاء ، واثبات ما يشاء ، كل يوم هو في شأن ، سبحانه وتعالى.
والقول بأن الحوادث لها أول ، يلزم منه التعطيل قبل ذلك ، وأن الله سبحانه وتعالى لم يزل غير فاعل ثم صار فاعلا. ولا يلزم من ذلك قدم العالم ، لان كل ما سوى الله تعالى محدث ممكن الوجود ، موجود بايجاد الله تعالى له ، ليس له من نفسه الا العدم ، والفقر والاحتياج وصف ذاتي لازم لكل ما سوى الله تعالى ، والله تعالى واجب الوجود لذاته ، غني لذاته ، والغنى وصف ذاتي لازم له سبحانه وتعالى.
والناس قولان في هذا العالم : هل هو مخلوق من مادة أم لا؟ واختلفوا في أول هذا العالم ما هو؟ وقد قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) هود : ٧.
وروى البخاري وغيره عن عمران بن حصين رضي الله عنه ، قال : «قال أهل اليمن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : جئناك لنتفقه في الدين ، ولنسألك عن [أول] هذا الامر ، فقال : كان الله ولم يكن شيء قبله» (٧٩) وفي رواية : «ولم يكن شيء معه» ،
__________________
(٧٩) صحيح. ورواية «معه» لم أجدها عند البخاري ، وقد أخرج الحديث في موضعين من «صحيحه» : «بدء الخلق» و «التوحيد» بالروايتين الاخيرتين : «قبله» و «غيره» ، وبالأخرى منهما أخرجه البيهقي في «الاسماء والصفات» (٦ و ٢٧٠) ، ورواه أحمد (٤ / ٤٣١) بالرواية الاولى منهما ، لكن بلفظ «كان الله تبارك وتعالى قبل كل شيء» ، وعزاه الذهبي في «مختصر العلو» (٩٨ / ٤٠) للبخاري وقال «حديث صحيح»! انظر المقدمة (ص ٢٧). وكلام الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث يشعر بأن هذه الرواية «معه» لم يقف عليها ، فقد قال (٦ / ٢٠٦) : «تنبيه» : وقع في بعض الكتب في هذا الحديث : «كان الله ولا شيء معه ، وهو ـ