وفي رواية «غيره» : «وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء ، وخلق السموات والارض» ، وفي لفظ : «ثم خلق السموات والارض». فقوله «كتب في الذكر» [، يعني اللوح المحفوظ ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) الأنبياء : ١٠٥ يسمى ما يكتب في الذكر ذكرا ،] كما يسمى ما يكتب في الكتاب كتابا.
والناس في هذا الحديث على قولين : منهم من قال : ان المقصود اخباره بأن الله كان موجودا وحده ولم يزل كذلك دائما ، ثم ابتدأ احداث جميع الحوادث ، فجنسها وأعيانها مسبوقة بالعدم ، وأن جنس الزمان حادث لا في زمان ، وأن الله صار فاعلا بعد أن لم يكن يفعل شيئا من الازل الى حين ابتداء الفعل كان الفعل ممكنا. والقول الثاني : المراد إخباره عن مبدأ خلق هذا العالم المشهود الذي خلقه الله في ستة أيام ثم استوى على العرش ، كما أخبر القرآن بذلك في غير موضع ، وفي «صحيح مسلم» عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «قدر الله تعالى مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء» (٨٠). فأخبر صلىاللهعليهوسلم «أن تقدير هذا العالم المخلوق في ستة أيام كان قبل خلقه السموات بخمسين ألف سنة ، وأن عرش الرب تعالى كان حينئذ على الماء».
دليل صحة هذا القول الثاني من وجوه : أحدها : أن قول أهل اليمن
__________________
ـ الآن على ما عليه كان» وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث ، نبه على ذلك العلامة تقي الدين ابن تيمية ، وهو مسلم في قوله : «وهو الآن الى آخره» ، وأما لفظ : «ولا شيء معه» : فرواية الباب بلفظ «ولا شيء غيره بمعناها». قلت : فلو كان عند الحافظ علم بهذه الرواية لذكرها ، واستغنى بذلك عن الاحتجاج عليها بمعنى الرواية التي ذكرها ، كما هو ظاهر. والله أعلم.
(٨٠) صحيح. وأخرجه أيضا احمد (٢ / ١٦٩) والترمذي ، وصححه دون قوله «وكان عرشه ...» وهو رواية لمسلم ، ورواه البيهقي في «الاسماء» (٢٦٩) ، وفي رواية له ، «فرغ الله عزوجل من المقادير وامور الدنيا قبل أن يخلق السموات والأرض وعرشه على الماء بخمسين الف سنة».