«جئناك لنسألك عن أول هذا الامر» ، وهو اشارة الى حاضر مشهود موجود ، والامر هنا بمعنى المأمور ، أي الذي كوّنه الله بأمره. وقد أجابهم النبي صلىاللهعليهوسلم عن بدء. هذا العالم الموجود ، لا عن جنس المخلوقات ، لأنهم لم يسألوه عنه ، وقد أخبرهم عن خلق السموات والارض حال كون عرشه على الماء ، ولم يخبرهم عن خلق العرش ، وهو مخلوق قبل خلق السموات والارض. وأيضا فانه قال : «كان الله ولم يكن شيء قبله» ، وقد روي «معه» ، وروي «غيره» ، والمجلس كان واحدا ، فعلم أنه قال أحد الالفاظ والآخران رؤيا بالمعنى ، ولفظ «القبل» ثبت عنه في غير هذا الحديث. ففي حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه كان يقول في دعائه : «اللهم أنت الاول فليس قبلك شيء» (٨١) ، الحديث. واللفظان الآخران لم يثبت واحد منهما في موضع آخر ، ولهذا كان كثير من أهل الحديث انما يرويه بلفظ القبل ، كالحميدي والبغوي وابن الاثير. واذا كان كذلك لم يكن في هذا اللفظ تعرض لابتداء الحوادث ، ولا لاول مخلوق. وأيضا : فانه يقال : «كان الله ولم يكن شيء قبله» أو «معه» أو «غيره» ، «وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء». فأخبر عن هذه الثلاثة بالواو ، و «خلق السموات والارض» روي بالواو وبثم ، فظهر أن مقصوده اخباره اياهم ببدء خلق السموات والارض وما بينهما ، وهي المخلوقات التي خلقت في ستة أيام ، لا ابتداء خلق ما خلقه الله قبل ذلك ، وذكر السموات والارض بما يدل على خلقهما ، وذكر ما قبلهما بما يدل على كونه ووجوده ، ولم يتعرض لابتداء خلقه له. وأيضا : فانه اذا كان الحديث قد ورد بهذا وهذا ، فلا يجزم بأحدهما الا بدليل ، فاذا رجح أحدهما فمن جزم بأن الرسول أراد المعنى الآخر فهو مخطئ قطعا ، ولم يأت في الكتاب ولا في السنة ما يدل على المعنى الآخر ، فلا يجوز اثباته بما يظن أنه معنى الحديث ، ولم يرد «كان الله ولا شيء معه» مجردا ، وانما ورد على السياق المذكور ، فلا يظن أن معناه الاخبار بتعطيل الرب تعالى دائما عن الفعل حتى خلق السموات والارض. وأيضا : فقوله صلىاللهعليهوسلم «كان الله ولا شيء قبله ، أو معه ، أو غيره ، وكان عرشه على
__________________
(٨١) صحيح ، وتقدم (برقم ٤٦)
.