فلا يقدر عليها عندهم ، وتنازعوا : هل يقدر على مثلها أم لا؟! ولو كان المعنى على ما قالوا لكان هذا بمنزلة أن يقال : هو عالم بكل ما يعلمه وخالق لكل ما يخلقه ونحو ذلك من العبارات التي لا فائدة فيها. فسلبوا صفة كمال قدرته على كل شيء.
وأما أهل السنة ، فعندهم أن الله على كل شيء قدير ، وكل ممكن فهو مندرج في هذا. وأما المحال لذاته ، مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما في حال واحدة ، فهذا لا حقيقة له ، ولا يتصور وجوده ، ولا يسمى شيئا ، باتفاق العقلاء. ومن هذا الباب : خلق مثل نفسه ، واعدام نفسه وأمثال ذلك من المحال.
وهذا الاصل هو الايمان بربوبيته العامة التامة ، فانه لا يؤمن بأنه رب كل شيء الا من آمن أنه قادر على تلك الاشياء ، ولا يؤمن بتمام ربوبيته وكمالها الا من آمن بأنه على كل شيء قدير. وانما تنازعوا في المعدوم الممكن : هل هو شيء أم لا؟ والتحقيق : أن المعدوم ليس بشيء في الخارج ، ولكن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون ، ويكتبه ، وقد يذكره ويخبر به ، كقوله تعالى : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) الحج : ١ ، فيكون شيئا في العلم والذكر والكتاب ، لا في الخارج ، كما قال تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس : ٨٢ ، قال تعالى : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) مريم : ٩ ، أي : لم تكن شيئا في الخارج وان كان شيئا في علمه تعالى. وقال تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) الدهر : ١.
وقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، رد على المشبهة. وقوله تعالى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى : ١١ ، رد على المعطّلة ، فهو سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال ، وليس له فيها شبيه. فالمخلوق وان كان يوصف بأنه سميع بصير ـ فليس سمعه وبصره كسمع الرب وبصره ، ولا يلزم من اثبات الصفة تشبيه ، اذ صفات المخلوق كما يليق به ، وصفات الخالق كما يليق به.
ولا تنف (٨٢). «عن الله ما وصف به نفسه وما وصفه به أعرف الخلق بربه وما يجب
__________________
(٨٢) في المطبوعة : تنفي.