الوفاة خيرا لي» (٩٠) ، الى آخر الدعاء. ويؤيد هذا ما رواه الحاكم في صحيحه (٩١) من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يرد القدر الا الدعاء ، ولا يزيد في العمر الا البر ، وان الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» (٩٢). وفي الحديث رد على من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء ، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه نهى عن النذر ، وقال : «انه لا يأتي بخير ، وانما يستخرج به من البخيل» (٩٣).
واعلم أن الدعاء يكون مشروعا نافعا في بعض الاشياء دون بعض ، وكذلك هو. ولهذا لا يجيب الله المعتدين في الدعاء. وكان الامام أحمد رحمهالله يكره أن يدعى له بطول العمر ، ويقول : هذا أمر قد فرغ منه.
وأما قوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) فاطر : ١١ ، فقد قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى : (مِنْ عُمُرِهِ) أنه بمنزلة قولهم : عندي درهم ونصفه ، أي : ونصف درهم آخر ، فيكون المعنى : ولا ينقص من عمر معمر آخر ، وقيل : الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة ، وحمل قوله تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) الرعد : ٣٨ ـ ٣٩ ، [على أن المحو والاثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة ، وأن قوله : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)]. اللوح المحفوظ. ويدل على هذا
__________________
(٩٠) صحيح ، وقد تقدم بتمامه (برقم ٣٨).
(٩١) اطلاق لفظة الصحيح على المستدرك فيه تسامح ظاهر ، لكثرة الاحاديث الضعيفة والمنكرة الواقعة فيه ، بل وبعض الموضوعات. ولذلك تجد الحذاق من المحدثين يقولون : رواه الحاكم في «المستدرك».
(٩٢) حسن ، دون قوله : «وان الرجل ليحرم ...» وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وفيه راو مجهول ، لكن له شاهد دون الزيادة المذكورة فالحديث حسن بدونها ، وقد تكلمت على الحديث في «الاحاديث الصحيحة» رقم (١٥٤) طبع المكتب الاسلامي.
(٩٣) أخرجاه من حديث ابن عمر ، ورواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ «لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا وانما يستخرج به من البخيل». وقد خرجته في «كتاب السنة» لابن ابي عاصم برقم (٣١٢ ـ ٣١٤) و «الإرواء» (٢٥٨٥).