الدهر : ٣ وقال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) التكوير : ٢٩. وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) الانعام : ١١١. وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) الانعام : ١١٢. وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) يونس : ٩٩ وقال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) الانعام : ١٢٥. وقال تعالى حكاية [عن] نوح عليهالسلام اذ قال لقومه : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) هود : ٣٤. وقال تعالى : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الانعام : ٣٩. الى غير ذلك من الادلة على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وكيف [يكون] في ملكه ما لا يشاء! ومن أضل سبيلا وأكفر ممن يزعم أن الله شاء الايمان من الكافر والكافر شاء الكفر فغلبت مشيئة الكافر مشيئة الله!! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
فإن قيل : يشكل على هذا قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) ، الانعام : ١٤٨ ، الآية. وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) النحل : ٣٥ ، الآية. وقوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) الزخرف : ٢٠. فقد ذمهم الله تعالى حيث جعلوا الشرك كائنا منهم بمشيئة الله ، وكذلك ذم ابليس حيث أضاف الاغواء الى الله تعالى ، اذ قال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) الحجر : ٣٩.
قيل : قد أجيب على هذا بأجوبة ، من أحسنها : أنه أنكر عليهم ذلك لانهم احتجوا بمشيئته على رضاه ومحبته ، وقالوا : لو [كره] ذلك وسخطه لما شاءه ، فجعلوا مشيئته دليل رضاه ، فرد الله عليهم ذلك. أو أنه أنكر عليهم اعتقادهم أن مشيئة الله دليل على أمره به. أو أنه أنكر عليهم معارضته شرعه وأمره الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه بقضائه وقدره ، فجعلوا المشيئة العامة دافعة للامر ، فلم يذكروا المشيئة على جهة التوحيد ، وانما ذكروها معارضين بها لأمره ، دافعين بها لشرعه ،