وقوله : «وإن محمدا» بكسر الهمزة ، عطفا على قوله : «ان الله واحد لا شريك له». لأن الكل معمول القول ، أعني : قوله «نقول في توحيد الله».
والطريقة المشهورة عند أهل الكلام والنظر ، تقرير نبوة الأنبياء بالمعجزات ، لكن كثير منهم لا يعرف نبوّة الأنبياء الا بالمعجزات ، وقرروا (٩٦) ذلك بطرق مضطربة ، والتزم كثير منهم انكار خرق العادات لغير الأنبياء ، حتى انكروا كرامات الاولياء والسحر ، ونحو ذلك.
ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح ، لكن الدليل غير محصور في المعجزات ، فان النبوة انما يدعيها أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين ، ولا يلتبس هذا بهذا الا على أجهل الجاهلين. بل قرائن أحوالهما تعرب عنهما ، وتعرّف بهما والتمييز (٩٧) بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما دون دعوى النبوة ، فكيف بدعوة النبوة؟ وما أحسن ما قال حسان رضي الله عنه :
لو لم يكن فيه آيات مبيّنة |
|
كانت بديهته تأتيك بالخبر |
وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين الا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ـ ما ظهر لمن له أدنى تمييز. فان الرسول لا بد أن يخبر الناس بأمور ويأمرهم بأمور ، ولا بد أن يفعل أمورا [يبين بها صدقه]. والكاذب يظهر في نفس ما يأمر به ويخبر عنه وما يفعله ما يبين به كذبه من وجوه كثيرة. والصادق ضده. بل كل شخصين ادعيا أمرا : أحدهما صادق والآخر كاذب ـ لا بد أن يظهر صدق هذا وكذب هذا ولو بعد مدة ، اذ الصدق مستلزم للبر ، والكذب مستلزم للفجور ، كما في الصحيحين عن النبي صلىاللهعليهوسلم انه قال : «عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي الى البر ، [وان] البر يهدي الى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق [ويتحرى الصدق] ، حتى يكتب عند الله صديقا ، واياكم والكذب فان الكذب يهدي الى الفجور ، وان الفجور يهدي الى النار ، وما يزال
__________________
(٩٦) في المطبوعة : وقد روي. وهو خطأ.
(٩٧) في الاصل : التميز.