الحق» (١٠٦). فهو لم يخف من تعمد الكذب ، فهو يعلم من نفسه صلىاللهعليهوسلم أنه لم يكذب ، وإنما خاف أن يكون [قد] عرض له عارض سوء ، وهو المقام الثاني ، فذكرت خديجة ما ينفي هذا ، وهو ما كان مجبولا عليه من مكارم الاخلاق ومحاسن الشيم ، وقد علم من سنة الله أن من جبله على الاخلاق المحمودة ونزهه عن الاخلاق المذمومة ـ : فانه لا يخزيه.
وكذلك قال النجاشي لما استخبرهم عما يخبر به واستقرأهم القرآن فقرءوا عليه : «إن هذا والذي جاء به موسى عليهالسلام ليخرج من مشكاة واحدة» (١٠٧). وكذلك ورقة ابن نوفل ، لما أخبره النبي صلىاللهعليهوسلم بما رآه ، وكان ورقة [قد] تنصّر ، وكان بكتب الإنجيل بالعربية ، فقالت له خديجة : «أي : عم ، اسمع من ابن أخيك ما يقول ، فأخبره النبي صلىاللهعليهوسلم بما رأى فقال : هذا [هو] الناموس الذي كان يأتي موسى» (١٠٨).
وكذلك هرقل ملك الروم ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم لما كتب إليه كتابا يدعوه فيه الى الاسلام ، طلب من كان هناك من العرب ، وكان أبو سفيان قد قدم في طائفة من قريش في تجارة الى الشام ، وسألهم عن أحوال النبي صلىاللهعليهوسلم ، فسأل أبا سفيان ، وأمر الباقين إن كذب أن يكذبوه ، فصاروا بسكوتهم موافقين له في الاخبار ، سألهم : هل كان في آبائه من ملك؟ فقالوا : لا ، قال : هل قال هذا القول أحد قبله؟ فقالوا : لا ، وسألهم : أهو ذو نسب فيكم؟ فقالوا : نعم ، وسألهم : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقالوا : لا ، ما جربنا عليه كذبا ، وسألهم : هل اتبعه ضعفاء الناس أم أشرافهم؟ فذكروا أن الضعفاء اتبعوه؟ وسألهم : هل يزيدون أم ينقصون؟ فذكروا أنهم يزيدون ، وسألهم : هل يرجع
__________________
(١٠٦) اخرجه البخاري من حديث عائشة ، وهو طرف من الحديث الذي قبله.
(١٠٧) حسن ، وهو طرف من حديث أم سلمة في هجرتها الى الحبشة الهجرة الأولى. أخرجه ابن إسحاق في «السيرة» (١ / ٣٥٧ ـ ٣٦٣ ابن هشام) وعنه أحمد (١ / ٢٠١ ـ ٢٠٣) ؛ وسنده حسن.
(١٠٨) أخرجه البخاري ، وهو من تمام حديث عائشة الذي قبله.