ومما ينبغي أن يعرف : أن ما يحصل في القلب بمجموع أمور ، قد لا يستقل بعضها به ، بل ما يحصل للانسان ـ من شبع وري (١١٣) وشكر وفرح وغم ـ فأمور مجتمعة ، لا يحصل ببعضها (١١٤) ، لكن ببعضها قد يحصل بعض الأمر (١١٥).
وكذلك العلم بخبر من الاخبار ، فان خبر الواحد يحصّل للقلب نوع ظن ، ثم الآخر يقويه ، الى أن ينتهي الى العلم ، حتى يتزايد ويقوى. وكذلك الادلة على الصدق والكذب ونحو ذلك.
وأيضا : فإن الله سبحانه أبقى في العالم الآثار الدالة على ما فعله بأنبيائه والمؤمنين من الكرامة ، وما فعله بمكذبيهم من العقوبة ، كثبوت الطوفان ، وإغراق فرعون وجنوده ، ولما ذكر سبحانه قصص الأنبياء نبيّا بعد نبي ، في سورة الشعراء ، كقصة موسى وابراهيم ونوح ومن بعده ، يقول في آخر كل قصة : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
وبالجملة : فالعلم بأنه كان في الارض من يقول إنه رسول الله ، وأن أقواما اتبعوهم ، وأن أقواما خالفوهم ، وأن الله نصر الرسل والمؤمنين ، وجعل العاقبة لهم ، وعاقب أعداءهم ـ : هو من أظهر العلوم المتواترة وأجلاها. ونقل أخبار هذه الامور أظهر وأوضح من نقل أخبار من مضى من الامم من ملوك الفرس وعلماء الطب ، كبقراط وجالينوس وبطليموس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وأتباعه.
ونحن اليوم اذا علمنا بالتواتر من أحوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم ـ علمنا يقينا أنهم كانوا صادقين على الحق من وجوه متعددة : منها : أنهم أخبروا الامم بما سيكون من انتصارهم وخذلان أولئك وبقاء العاقبة لهم ومنها : ما أحدثه الله لهم من نصرهم وإهلاك عدوهم ، إذا عرف الوجه الذي حصل عليه ، ـ كغرق فرعون وغرق قوم نوح وبقية أحوالهم ـ عرف صدق الرسل. ومنها : أن من عرف ما جاءت به الرسل من الشرائع وتفاصيل أحوالها ، تبين له أنهم أعلم الخلق ، وأنه
__________________
(١١٣) في المطبوعة : شفيع ووزير وهو خطأ ، وبهذا تصحح الجملة ويستقيم الكلام.
(١١٤) في الاصل : بعضها.
(١١٥) في الاصل : الامور
.