البخاري وغيره. لكن بعض الناس يقول : ان فيه علة ، بخلاف حديث موسى ، فانه صحيح لا علة فيه باتفاقهم.
وقد أجاب بعضهم بجواب آخر ، وهو : أن قوله صلىاللهعليهوسلم «لا تفضلوني على موسى» (١٢٩) ، وقوله : «لا تفضلوا بين الأنبياء» نهي عن التفضيل الخاص ، أي : لا يفضل بعض الرسل على بعض بعينه ، بخلاف قوله : «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» (١٣٠) فانه تفضيل عام فلا يمنع منه. وهذا كما لو قيل : فلان أفضل أهل البلد ، لا ينصب على أفرادهم ، بخلاف ما لو قيل لاحدهم : فلان أفضل منك. ثم اني رأيت الطحاوي رحمهالله قد أجاب بهذا الجواب في «شرح معاني الآثار». وأما ما يروى أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تفضلوني على يونس [بن متّى]» (١٣١) ، وأن بعض الشيوخ قال : لا يفسر لهم هذا الحديث حتى يعطى مالا جزيلا ، فلما أعطوه فسره بأن قرب يونس من الله وهو في بطن الحوت كقربي من الله ليلة المعراج وعدوا هذا تفسيرا عظيما. وهذا يدل على جهلهم بكلام الله وبكلام رسوله لفظا ومعنى ، فإن هذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه أحد من أهل الكتب التي يعتمد عليها ، وإنما اللفظ الذي في الصحيح : «لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس ابن متى» (١٣٢). وفي رواية : «من قال اني خير من يونس بن متى فقد كذب». وهذا اللفظ يدل على العموم ، «لا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه على يونس بن متى» ، ليس فيه نهي المسلمين أن يفضلوا محمدا على يونس ، وذلك لأن الله تعالى قد أخبر عنه أنه التقمه الحوت وهو مليم ، أي : فاعل ما يلام عليه. وقال تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنبياء : ٨٧. فقد يقع في نفس بعض
__________________
(١٢٩) صحيح ، وتقدم قريبا (برقم ١٢٦).
(١٣٠) صحيح ، وتقدم قريبا (برقم ١٢٧).
(١٣١) لا أعرف له أصلا بهذا اللفظ ، وتقدم قريبا في حديث ابي هريرة : «ولا أقول : ان أحدا أفضل من يونس بن متى».
(١٣٢) مسلم وأحمد وغيرهما ولفظه عند مسلم (٢٣٧٦) ، «قال : يعني الله تبارك وتعالى : لا ينبغي لعبد لي (وفي لفظ : لعبدي). والرواية الاخرى للبخاري في «التفسير».