الناس أنه أكمل من يونس ، فلا يحتاج الى هذا المقام ، اذ لا يفعل ما يلام عليه. ومن ظن هذا فقد كذب ، بل كل عبد من عباد الله يقول ما قال يونس : (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، كما قال أول الأنبياء وآخرهم ، فأولهم : آدم ، قد قال : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) الاعراف : ٢٣. وآخرهم وأفضلهم وسيدهم : محمد صلىاللهعليهوسلم ، قال في الحديث الصحيح ، حديث الاستفتاح ، من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره ، بعد قوله «وجهت وجهي» آخره : «اللهم أنت الملك لا إله الا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا ، لا يغفر الذنوب الا أنت» (١٣٣) ، الى آخر الحديث ، وكذا قال موسى عليهالسلام : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) القصص : ١٦. وأيضا : فيونس صلىاللهعليهوسلم لما قيل فيه : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) القلم : ٤٨ ، فنهى نبينا صلىاللهعليهوسلم عن التشبه به ، وأمره بالتشبه بأولي العزم حيث قيل له : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) الاحقاف : ٣٥ ، فقد يقول من يقول : «أنا خير من يونس» ـ : للأفضل أن يفخر على من دونه ، فكيف إذا لم يكن أفضل ، فان الله لا يحب كل مختال فخور ، وفي صحيح مسلم عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أوحي إليّ أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد» (١٣٤). [فالله تعالى نهى أن يفخر على عموم المؤمنين] ، فكيف على نبي كريم؟ فلهذا قال : «لا ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى». فهذا نهي عام لكل أحد أن يتفضل ويفتخر على يونس. وقوله : «من قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب» ، فانه لو قدر أنه كان أفضل ، فهذا الكلام يصير نقصا ، فيكون كاذبا ، وهذا لا يقوله نبي كريم ، بل هو تقدير مطلق ، أي : من قال هذا
__________________
(١٣٣) مسلم وأحمد وغيرهما من حديث علي رضي الله عنه ، وهو قطعة من دعاء التوجه بعد الإحرام ، وهو مخرج في «صفة الصلاة» (ص ٨٥ ـ الطبعة السادسة).
(١٣٤) مسلم (٨ / ١٦٠) من حديث عياض بن حمار ، وله شاهد من حديث أنس ، وقد خرجتهما في «الصحيحة» (٥٧٠)
.