عليكم يا أهل الجنة ، وهو قول الله تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يس : ٥٨ ، فلا يلتفتون الى شيء مما هم فيه من النعيم ، ما داموا ينظرون إليه ، حتى يحتجب عنهم ، وتبقى بركته ونوره» (١٤١). رواه ابن ماجه وغيره. ففي هذا الحديث إثبات صفة الكلام ، وإثبات الرؤية ، واثبات العلوّ ، وكيف يصح مع هذا أن يكون كلام الرب كله معنى واحدا ، و [قد] قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) آل عمران : ٧٧ ، فأهانهم بترك تكليمهم ، والمراد أنه لا يكلمهم تكليم تكريم ، [و] هو الصحيح ، إذ قد أخبر في الآية الاخرى أنه يقول لهم في النار : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) المؤمنون : ١٠٨ ، فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين ، لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء ، ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلا. وقال البخاري في «صحيحه» : باب كلام الرب تبارك وتعالى مع أهل الجنة ، وساق فيه عدة أحاديث. فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه تبارك وتعالى ، وتكليمه لهم. فإنكار ذلك إنكار لروح الجنة. وأعلى نعيمها وأفضله الذي ما طابت لأهلها إلا به.
وأما استدلالهم بقوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الرعد : ١٦ ، والقرآن شيء ، فيكون داخلا في عموم «كل» فيكون مخلوقا!! فمن أعجب العجب. وذلك : أن أفعال العباد كلها عندهم غير مخلوقة لله تعالى ، وانما يخلقها العباد
__________________
(١٤١) ضعيف ، أخرجه ابن ماجه (١٨٤) وكذا أبو نعيم في «الحلية» (٦ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩) ، واسناده ضعيف كما قال الذهبي في «العلو» (٩٩) ، فيه أبو عاصم العباداني واسمه عبد الله بن عبيد الله. قال الذهبي : واه ، عن الفضل الرقاشي وهو منكر الحديث كما في «التقريب» ومنه يتبين أن قول الشيخ أحمد شاكر فيما يأتي : «اسناده جيد» غير جيد ، واورده ابن الجوزي في «الموضوعات» من رواية ابن عدي ، ثم قال : «موضوع ، الفضل رجل سوء» وتعقبه السيوطي في «اللآلي» (٢ / ٤٦٠ ـ ٤٦١) بأن ابن ماجه أخرجه! وهذا لا شيء ، وبأن ابن النجار اخرجه من حديث ابي هريرة نحوه ، وفيه سليمان بن ابي كريمة ، قال السيوطي : قال ابن عدي : عامة أحاديثه مناكير ، ولم أر للمتقدمين فيه كلاما. قلت : وضعفه ابو حاتم كما فى «الجرح والتعديل» (٢ / ١ / ١٣٨) قلت : وهذا وان كان ينفي أن يكون الرقاشي تفرد بالحديث فلا يرفع عنه الضعف. والله أعلم.