صدقا ، إذ كل من الكلامين عندهم مخلوق قد قاله غير الله! وقد فرقوا بين الكلامين على أصولهم الفاسدة : أن ذاك كلام خلقه الله في الشجرة ، وهذا كلام خلقه فرعون!! فحرفوا وبدلوا واعتقدوا خالقا غير الله. وسيأتي الكلام على مسألة أفعال العباد ، إن شاء الله تعالى.
فإن قيل : فقد قال تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) الحاقة : ٤٠. والتكوير : ١٩. وهذا يدل على أن الرسول أحدثه ، إما جبرائيل أو محمد.
قيل : ذكر الرسول معرّف أنه مبلّغ عن مرسله ، لأنه لم يقل إنه قول ملك أو نبي ، فعلم أنه بلغه عمن أرسله به ، لا أنه أنشأ من جهة نفسه. وأيضا : فالرسول في إحدى الآيتين جبرائيل ، وفي الاخرى محمد ، فإضافته الى كل منهما تبين أن الاضافة للتبليغ ، اذ لو أحدثه أحدهما امتنع أن يحدثه الآخر. وأيضا : فقوله رسول أمين (١٤٣) ، دليل على أنه لا يزيد في الكلام الذي أرسل بتبليغه ولا ينقص منه ، بل هو أمين على ما أرسل به ، يبلغه عن مرسله. وأيضا : فإن الله قد كفّر من جعله قول البشر ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم بشر ، فمن جعله قول محمد ، بمعنى أنه أنشأه ـ فقد كفر. ولا فرق بين أن يقول : إنه قول بشر ، أو جني ، أو ملك ، والكلام كلام من قاله مبتدئا ، لا من قاله مبلغا. ومن سمع قائلا يقول :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
ـ قال : هذا شعر امرئ القيس ، ومن سمعه يقول : «إنما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى» (١٤٤) ـ : قال : هذا كلام الرسول ، وان سمعه
__________________
(١٤٣) قال الشيخ أحمد شاكر : الآية التي ذكرها الشارح (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) جاءت مرتين في سورة الحاقة : ٤٠ وليس فيما بعدها الوصف بلفظ (أمين). والاخرى في سورة التكوير : ١٩ ، ثم بعدها : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ـ ٢٠ ، ٢١. فتعبير الشارح بقوله : وأيضا فقوله : رسول أمين فيه شيء من التساهل ، لم يرد به حكاية التلاوة ، وانما اراد المعنى فقط. ولو قال : وأيضا فوصف الرسول بأنه (أمين ...» كان أدق وأجود.
(١٤٤) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو اوّل حديث في «صحيح البخاري».