من أن يتكلم الله في بوحي يتلى» (١٤٧). ولو كان المراد من ذلك كله خلاف مفهومه لوجب بيانه ، إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ولا يعرف في لغة ولا عقل قائل متكلم لا يقوم به القول والكلام وإن زعموا أنهم فروا من ذلك حذرا من التشبيه ، فلا يثبتوا صفة غيره ، فإنهم اذا قالوا : يعلم لا كعلمنا ، قلنا : ويتكلم لا كتكلمنا ، وكذلك سائر الصفات. وهل يعقل قادر لا تقوم به القدرة ، أو حي لا تقوم به الحياة؟ وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر» (١٤٨) ، فهل يقول عاقل إنه صلىاللهعليهوسلم عاذ بمخلوق؟ بل هذا كقوله : «أعوذ برضاك من سخطك. وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك» (١٤٩) ، وكقوله : «أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر» (١٥٠). وكقوله : «وأعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا» (١٥١). كل هذه من صفات الله تعالى.
وهذه المعاني مبسوطة في مواضعها ، وإنما أشير إليها هنا اشارة.
وكثير من متأخري الحنفية على أنه معنى واحد ، والتعدد والتكثر والتجزؤ والتبعض حاصل في الدلالات ، لا في المدلول. وهذه العبارات مخلوقة ، وسميت «كلام الله» لدلالتها عليه وتأديه بها ، فإن عبّر بالعربية فهو قرآن ، وإن عبّر بالعبرانية فهو توراة ، فاختلفت العبارات لا الكلام. قالوا : وتسمى هذه العبارات كلام الله مجازا!
وهذا الكلام فاسد ، فإن لازمه أن معنى قوله : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) الاسراء : ٣٢ ، هو معنى قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) البقرة : ٤٣. ومعنى آية الكرسي هو معنى آية الدّين! ومعنى سورة الاخلاص هو معنى (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) المسد : ١. وكلما تأمل الانسان هذا القول تبين له فساده ، وعلم أنه مخالف لكلام السلف.
__________________
(١٤٧) البخاري ومسلم في حديث طويل لها في قصة الإفك.
(١٤٨) صحيح ، رواه أحمد (٣ / ٤١٩) وابن السني (٦٣١) عن عبد الرحمن بن حنبش مرفوعا بسند صحيح.
(١٤٩) مسلم وقد مضى (برقم ٧٢).
(١٥٠) صحيح ، وتقدم (برقم ٧٠).
(١٥١) صحيح ، وتقدم (برقم ٧٣).