قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الاعراف : ٢٠٤. وقال صلىاللهعليهوسلم : «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف» (١٥٢). الى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على كل من المعنيين المذكورين. فالحقائق لها وجود عيني وذهني ولفظي ورسمي ، ولكن الأعيان تعلم ، ثم تذكر ، ثم تكتب. فكتابتها في المصحف هي المرتبة الرابعة. وأما الكلام فإنه ليس بينه وبين المصحف واسطة ، بل هو الذي يكتب بلا واسطة ولا لسان.
والفرق بين كونه في زبر الاولين ، وبين كونه في رق منشور ، أو لوح محفوظ ، أو في كتاب مكنون ـ : واضح. فقوله عن القرآن : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) الشعراء : ١٩٦ ، أي ذكره ووصفه والاخبار عنه ، كما أن محمدا مكتوب عندهم. إذ القرآن أنزله الله على محمد ، لم ينزله على غيره أصلا ، ولهذا قال في الزبر ، ولم يقل في الصحف ، ولا في الرق ، لأن «الزبر» جمع «زبور» و «الزّبر» هو : الكتابة والجمع ، فقوله : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) الشعراء : ١٩٦ أي : مزبور الاولين ، ففي نفس اللفظ واشتقاقه ما يبين المعنى المراد ، ويبين كمال بيان القرآن وخلوصه من اللبس. وهذا مثل قوله : (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ) الاعراف : ١٥٦ ، أي : ذكره ، بخلاف قوله : (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) الطور : ٣ و (لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) البروج : ٢٢ و (كِتابٍ مَكْنُونٍ) الواقعة : ٧٨ ، لأن العامل في الظرف إما أن يكون من الافعال العامة ، مثل الكون والاستقرار والحصول ونحو ذلك ، أو يقدر : مكتوب في كتاب ، أو في رق. والكتاب : تارة يذكر ويراد به محل الكتابة ، وتارة يذكر ويراد به الكلام المكتوب. ويجب التفريق بين كتابة الكلام في الكتاب ، وكتابة الأعيان الموجودة في الخارج فيه ـ فإن تلك إنما يكتب ذكرها. وكلما تدبر الانسان هذا المعنى وضح له الفرق.
وحقيقة كلام الله تعالى الخارجية : هي ما يسمع منه أو من المبلغ عنه ، فإذا سمعه السامع علمه وحفظه. فكلام الله مسموع له معلوم محفوظ ، فاذا قاله السامع
__________________
(١٥٢) متفق عليه من حديث عمر ، وتمامه : «فاقرءوا ما تيسر منه».