الرابع : أنه مشترك بين اللفظ والمعنى ، وهذا قول بعض المتأخرين من الكلابية ، ولهم قول خامس ، يروى عن أبي الحسن ، أنه مجاز في كلام الله ، حقيقة في كلام الآدميين لأن حروف الآدميين تقوم بهم ، فلا يكون الكلام قائما بغير المتكلم ، بخلاف كلام الله ، فإنه لا يقوم عنده بالله ، فيمتنع أن يكون كلامه. وهذا مبسوط في موضعه. وأما من قال إنه معنى واحد ، واستدل عليه بقول الاخطل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
: فاستدلال فاسد. ولو استدل مستدل بحديث في «الصحيحين» لقالوا هذا خبر واحد! ويكون مما اتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول والعمل به! فكيف وهذا البيت قد قيل إنه موضوع (١٥٣) منسوب الى الأخطل ، وليس هو في ديوانه؟! وقيل إنما قال : «إن البيان لفي الفؤاد» وهذا أقرب الى الصحة ، وعلى تقدير صحته عنه فلا يجوز الاستدلال به ، فإن النصارى قد ضلوا في معنى الكلام ، وزعموا أن عيسى عليهالسلام نفس كلمة الله واتحد اللاهوت بالناسوت! أي : شيء من الإله بشيء من الناس! أفيستدل بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام على معنى الكلام ، ويترك ما يعلم من معنى الكلام في لغة العرب؟! وأيضا : فمعناه غير صحيح ، إذ لازمه أن الاخرس يسمى متكلما لقيام الكلام بقلبه وإن لم ينطق به ولم يسمع منه ، والكلام على ذلك مبسوط في موضعه ، وإنما أشير إليه إشارة.
وهنا معنى عجيب ، وهو : أن هذا القول له شبه قوي بقول النصارى القائلين باللاهوت والناسوت! فإنهم يقولون : كلام الله هو المعنى القائم بذات الله الذي لا يمكن سماعه ، وأما النظم المسموع فمخلوق ، فإفهام المعنى القديم بالنظم المخلوق يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى عليهالسلام ، فانظر إلى هذا الشبه ما أعجبه!
ويرد قول من قال : بأن الكلام هو المعنى القائم بالنفس ـ : قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن
__________________
(١٥٣) في الاصل : مصنوع. وانظر «مختصر العلو للذهبي» ص ٢٨٥ طبع المكتب الإسلامي
.