صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» (١٥٤). وقال : «إن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإنما أحدث أن لا تكلّموا في الصلاة» (١٥٥). واتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم في الصلاة عامدا لغير مصلحتها بطلت صلاته. واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب ، من تصديق بأمور دنيوية وطلب ـ لا يبطل الصلاة ، وإنما يبطلها التكلم بذلك. فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام.
وأيضا : ففي «الصحيحين» عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله تجاوز لأمتي عما حدّثت به أنفسها ، ما لم تتكلم به أو تعمل به» (١٥٦). فقد أخبر أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم ، ففرق بين حديث النفس وبين الكلام ، وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به ، والمراد : حتى ينطق به اللسان ، باتفاق العلماء. فعلم أن هذا هو الكلام في اللغة ، لأن الشارع إنما خاطبنا بلغة العرب.
وأيضا ففي «السنن» : أن معاذا رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال : «وهل يكبّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» (١٥٧). فبين أن الكلام إنما هو باللسان. فلفظ «القول» و «الكلام» وما تصرف منهما ، من فعل ماض ومضارع وأمر واسم فاعل ـ : إنما يعرف في القرآن والسنة وسائر كلام العرب إذا كان لفظا ومعنى. ولم يكن في مسمى «الكلام» نزاع بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وإنما حصل النزاع بين المتأخرين من علماء أهل البدع ، ثم انتشر.
ولا ريب أن مسمى الكلام والقول ونحوهما ـ ليس هو مما يحتاج فيه الى قول
__________________
(١٥٤) مسلم وغيره من حديث معاوية بن الحكم ، «صحيح ابي داود» (٨٦٢) و «الارواء» (٣٩٠).
(١٥٥) النسائي وغيره بسند حسن ، وعلقه البخاري مجزوما «صحيح ابي داود» (٨٥٧).
(١٥٦) : متفق عليه ، من حديث ابي هريرة «ارواء الغليل» (٢٠٦٢).
(١٥٧) رواه الترمذي وغيره بسند فيه انقطاع ، وقد بين ذلك الحافظ ابن رجب الحنبلي في «شرح الاربعين» بيانا شافيا ، فليراجعه من شاء.