جبرائيل منه ، كما يتذرعون بقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى : ١١ ، الى نفي الصفات. وفي الآية ما يرد عليهم قولهم ، وهو قوله تعالى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى : ١١. كما في قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) يونس : ٣٨ ما يرد على من ينفي الحرف ، فإنه قال : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) ، ولم يقل فأتوا بحرف ، أو بكلمة. وأقصر سورة في القرآن ثلاث آيات. ولهذا قال أبو يوسف ومحمد : إن أدنى ما يجزئ في الصلاة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة ، لأنه لا يقع الإعجاز بدون ذلك. والله أعلم.
قوله : (ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر ، فقد كفر. من أبصر هذا اعتبر. وعن مثل قول الكفار انزجر. علم أنه بصفاته ليس كالبشر).
ش : لما ذكر فيما تقدم أن القرآن كلام الله حقيقة ، منه بدا ، نبّه بعد ذلك على أنه تعالى بصفاته ليس كالبشر ، نفيا للتشبيه عقيب الإثبات ، يعني أن الله تعالى وإن وصف بأنه متكلم ، لكن لا يوصف بمعنى من معاني البشر التي يكون الانسان بها متكلما ، فإن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وما أحسن المثل المضروب للمثبت للصفات من غير تشبيه ولا تعطيل ـ : باللبن الخالص السائغ للشاربين ، يخرج من بين فرث التعطيل ودم التشبيه. والمعطل يعبد عدما ، والمشبه يعبد صنما. وسيأتي في كلام الشيخ : ومن لم يتوقّ النفي والتشبيه ، زل ولم يصب التنزيه.
وكذا قوله : وهو بين التشبيه والتعطيل. أي دين الاسلام ، ولا شك أن التعطيل شر من التشبيه ، بما سأذكره إن شاء الله تعالى. وليس ما وصف الله به نفسه ولا ما وصفه به رسوله تشبيها ، بل صفات الخالق كما يليق به ، وصفات المخلوق كما يليق به.
وقوله : فمن أبصر هذا اعتبر. أي من نظر بعين بصيرته فيما قاله من إثبات الوصف ونفي التشبيه ووعيد المشبه اعتبر وانزجر عن مثل قول الكفار.
قوله : (والرؤية حق لأهل الجنة ، بغير احاطة ولا كيفية ، كما نطق به كتاب ربنا : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) القيامة : ٢٢ ـ ٢٣. وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه ، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهو كما قال ، ومعناه على ما أراد ، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين