يشترك هو والمعدوم فيه ، فإن المعنى : أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به ، فقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) الانعام : ١٠٣ ، يدل على كمال عظمته ، وأنه أكبر من كل شيء ، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به ، فإن «الادراك» هو الاحاطة بالشيء ، وهو قدر زائد على الرؤية ، كما قال تعالى : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى : إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قالَ : كَلَّا) الشعراء : ٦٢ ، فلم ينف موسى الرؤية ، وإنما نفى الإدراك ، فالرؤية والادراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه ، فالرب تعالى يرى ولا يدرك ، كما يعلم ولا يحاط به علما ، وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية ، كما ذكرت أقوالهم في تفسير الآية. بل هذه الشمس المخلوقة لا يتمكن رائيها من إدراكها على ما هي عليه.
وأما الاحاديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، الدالة على الرؤية فمتواترة ، رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن. فمنها : حديث أبي هريرة : «أن ناسا قالوا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا : لا ، قال فإنكم ترونه كذلك» (١٦٢) ، الحديث ، أخرجاه في «الصحيحين» بطوله. وحديث أبي سعيد الخدري أيضا في «الصحيحين» نظيره. وحديث جرير بن عبد الله البجلي ، قال : «كنا جلوسا مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة ، فقال : انكم سترون ربكم عيانا ، كما ترون هذا ، لا تضامون في رؤيته» (١٦٣) ، الحديث أخرجاه في «الصحيحين». وحديث صهيب المتقدم ، رواه مسلم وغيره. وحديث أبي موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : «وجنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب ، آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة
__________________
(١٦٢) متفق عليه ، وهو مخرج في «ظلال الجنة» (٤٥٣ ، ٤٧٥)
(١٦٣) متفق عليه ، وهو مخرج في المصدر المذكور (٤٤٦ ـ ٤٥١ و ٤٦١) ، وفي ثبوت كلمة وعيانا» نظر عندي ، بينته هناك فراجعه.