وليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله ، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية ، لا تشبيه المرئي بالمرئي ، ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه. وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟ ومن قال : يرى لا في جهة ـ فليراجع عقله!! فإما أن يكون مكابرا لعقله وفي عقله شيء ، وإلا فاذا قال يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته ، رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة.
ولهذا ألزم المعتزلة من نفي العلو بالذات بنفي الرؤية ، وقالوا : كيف تعقل رؤية بلا مقابلة بغير جهة ، وإنما لم نره في الدنيا لعجز أبصارنا ، لا لامتناع الرؤية ، فهذه الشمس اذا حدق الرائي البصر في شعاعها ضعف عن رؤيتها ، لا لامتناع في ذات المرئي ، بل لعجز الرائي ، فإذا كان في الدار الآخرة أكمل الله قوى الآدميين حتى أطاقوا رؤيته. ولهذا لما تجلى الله للجبل : (خَرَّ مُوسى صَعِقاً ، فَلَمَّا أَفاقَ قالَ : سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) الاعراف : ١٤٣ ، بأنه لا يراك حيّ الا مات ، ولا يابس الا تدهده ، ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملك في صورته ، الا من أيده الله كما أيد نبينا ، قال تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) الانعام : ٨. قال غير واحد من السلف : لا يطيقون أن يروا الملك في صورته ، فلو أنزلنا عليهم ملكا لجعلناه في صورة بشر ، وحينئذ يشتبه عليهم : هل هو بشر أو ملك؟ ومن تمام نعمة الله علينا أن بعث فينا رسولا منّا.
وما ألزمهم المعتزلة هذا الإلزام إلا لما وافقوهم على أنه لا داخل العالم ولا خارجه. لكن قول من أثبت موجودا يرى لا في جهة ـ أقرب الى العقل من قول من أثبت موجودا قائما بنفسه لا يرى ولا في جهة.
ويقال لمن قال بنفي الرؤية لانتفاء لازمها وهو الجهة : أتريد بالجهة أمرا وجوديّا؟ أو أمرا عدميّا؟ فإن أراد بها أمرا وجوديا كان التقرير : كل ما ليس في شيء موجود لا يرى ، وهذه المقدمة ممنوعة ، ولا دليل على إثباتها ، بل هي باطلة ، فإن سطح العالم يمكن أن يرى ، وليس العالم في عالم آخر. وان أردت بالجهة أمرا عدميا ، فالمقدمة الثانية ممنوعة ، فلا نسلم أنه ليس في جهة بهذا الاعتبار.
وكيف يتكلم في أصول الدين من لا يتلقاه من الكتاب والسنة ، وإنما يتلقاه من