عباس رضي الله عنهما : أنه صلىاللهعليهوسلم رآه بعينه (١٦٩) ، وروى عطاء عنه : أنه رآه بقلبه. ثم ذكر أقوالا وفوائد ، ثم قال : وأما وجوبه لنبينا صلىاللهعليهوسلم والقول بأنه رآه بعينه فليس فيه قاطع ولا نص ، والمعوّل فيه على آيتي النجم ، والتنازع فيهما مأثور ، والاحتمال لهما ممكن. وهذا القول الذي قاله القاضي عياض رحمهالله هو الحق ، فإن الرؤية في الدنيا ممكنة ، إذ لو لم تكن ممكنة ، لما سألها موسى عليهالسلام ، لكن لم يرد نص بأنه صلىاللهعليهوسلم رأى ربه بعين رأسه ، بل ورد ما يدل على نفي الرؤية ، وهو ما رواه مسلم في «صحيحه» عن أبي ذر رضي الله عنه قال : «سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم هل رأيت ربك؟ فقال : «نور أنّى أراه» (١٧٠). وفي رواية : «رأيت نورا». وقد روى مسلم أيضا عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه أنه قال : «قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بخمس كلمات ، فقال : إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور» ، (وفي رواية : النار) ، «لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه». (١٧١). فيكون ـ والله أعلم ـ معنى قوله لأبي ذر «رأيت نورا» : أنه رأى الحجاب ، ومعنى قوله «نور أنّى أراه» : النور الذي هو الحجاب يمنع من رؤيته ، فأنّى أراه؟ أي فكيف أراه والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته؟ فهذا صريح في نفي الرؤية. والله أعلم.
وحكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك ، ونحن الى تقرير رؤيته لجبريل احوج منا الى تقرير رؤيته (١٧٢) لربه تعالى ، وإن كانت رؤية الرب
__________________
(١٦٩) ضعيف ، اخرجه ابن خزيمة في التوحيد بألفاظ مضطربة عنه موقوفا.
(١٧٠) صحيح أخرجه مسلم في آخر «كتاب الايمان» ويشهد له حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ : «يوم القيامة أول يوم نظرت فيه عين الى الله عزوجل». رواه الدار قطني كما في «الدر» (٦ / ١٩١) ، وله شاهد مرسل ، رواه ابو سعيد الدارمي في «الرد على الجهمية» (٥٧) طبع المكتب الاسلامي.
(١٧١) صحيح ، وقد مضى (برقم ٥٢).
(١٧٢) ما في المطبوعتين خطأ وصوابه ما أثبتناه من الاصل ويؤيده ما في «الرد على الجهمية» للدارمي (ص ٦٤).