تعالى أعظم وأعلى ، فإن النبوة لا يتوقف ثبوتها عليها البتة.
وقوله : بغير إحاطة ولا كيفية ـ هذا الكمال عظمته وبهائه ، سبحانه وتعالى ، لا تدركه الابصار ولا تحيط به ، كما يعلم ولا يحاط به علما. قال تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) الانعام : ١٠٣. وقال تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) طه : ١١٠.
وقوله : وتفسيره على ما أراد الله وعلمه ، الى أن قال : لا ندحل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا. أي كما فعلت المعتزلة بنصوص الكتاب والسنة في الرؤية ، وذلك تحريف لكلام الله وكلام رسوله عن مواضعه. فالتأويل الصحيح هو الذي يوافق ما جاءت به السنة ، والفاسد المخالف له. فكل تأويل لم يدل عليه دليل من السياق ، ولا معه قرينة تقتضيه ، فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه ، إذ لو قصده لحفّ بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره ، حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ ، فإن الله أنزل كلامه بيانا وهدى ، فإذا أراد به خلاف ظاهره ، ولم يحف به قرائن تدل على المعنى الذي يتبادر غيره الى فهم كل أحد ، لم يكن بيانا ولا هدى. فالتأويل إخبار بمراد المتكلم ، لا إنشاء.
وفي هذا الموضع يغلط كثير من الناس ، فإن المقصود فهم مراد المتكلم بكلامه ، فاذا قيل : معنى اللفظ كذا وكذا ، كان إخبارا بالذي عنى المتكلم ، فإن لم يكن الخبر مطابقا كان كذبا على المتكلم ، ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة : منها : أن يصرح بإرادة ذلك المعنى. ومنها : أن يستعمل اللفظ الذي له معنى ظاهر بالوضع ، ولا يبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى ، فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقته وما وضع له ، كقوله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) النساء : ١٦٣. و «إنكم ترون ربكم عيانا كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب» (١٧٣). فهذا مما يقطع به السامع له بمراد المتكلم ، فإذا أخبر عن مراده بما دل عليه حقيقة لفظه الذي وضع له مع القرائن المؤكدة ، كان صادقا في إخباره. وأما إذا تأول الكلام بما لا يدل عليه ولا اقترن به ما يدل عليه ، فإخباره بأن هذا مراده كذب عليه ، وهو تأويل بالرأي ، وتوهم بالهوى.
__________________
(١٧٣) متفق عليه وتقدم (ص ١٦٣) مع النظر في كلمة «عيانا»
.