وجهه ، يرميهم بالتراب ، ويقول : «مهلا يا قوم! بهذا أهلكت الأمم من قبلكم ، باختلافهم على أنبيائهم ، وضربهم الكتب بعضها ببعض ، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا ، بل يصدق بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه الى عالمه» (١٧٤).
ولا شك أن الله قد حرم القول عليه بغير علم ، قال تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) الاعراف : ٣٣. وقال تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الاسراء : ٣٦. فعلى العبد أن يجعل ما بعث الله به رسله ، وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه ، فيصدق بأنه حق وصدق ، وما سواه من كلام سائر الناس يعرضه عليه ، فإن وافقه فهو حق ، وإن خالفه فهو باطل ، وان لم يعلم : هل خالفه أو وافقه ـ يكون ذلك الكلام مجملا لا يعرف مراد صاحبه ، أو قد عرف مراده لكن لم يعرف هل جاء الرسول بتصديقه أو بتكذيبه ـ فإنه يمسك عنه ، ولا يتكلم إلا بعلم ، والعلم ما قام عليه الدليل ، والنافع منه ما جاء به الرسول ، وقد يكون علم من غير الرسول ، لكن في الامور الدنيوية ، مثل الطب والحساب والفلاحة ، وأما الامور الإلهية والمعارف الدينية ، فهذه العلم فيها ما أخذ عن الرسول لا غير.
قوله : (ولا تثبت قدم الاسلام الا على ظهر التسليم والاستسلام).
ش : هذا من باب الاستعارة ، اذ القدم الحسي لا تثبت الا على ظهر شيء. أي لا يثبت اسلام من لم يسلّم لنصوص الوحيين ، وينقاد إليها ، ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه. روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمهالله أنه قال : من الله الرسالة ، ومن الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم.
وهذا كلام جامع نافع.
وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل ، وهو : أن العقل مع النقل كالعامي
__________________
(١٧٤) صحيح وأخرجه البغوي أيضا في شرح السنة رقم (١٢١) طبع المكتب الاسلامي.
ورجاله ثقات على خلاف معروف في عمرو بن شعيب.