ولا شك أن من لم يسلم للرسول نقص توحيده ، فإنه يقول برأيه وهواه ، ويقلد ذا رأي وهوى بغير هدى من الله ، فينقص من توحيده بقدر خروجه عما جاء به الرسول ، فانه قد اتخذه في ذلك إلها غير الله. قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) الفرقان : ٤٣. أي : عبد ما تهواه نفسه. وإنما دخل الفساد في العالم من ثلاث فرق ، كما قال عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه :
رأيت الذنوب تميت القلوب |
|
وقد يورث الذلّ إدمانها |
وترك الذنوب حياة القلوب |
|
وخير لنفسك عصيانها |
وهل أفسد الدين إلا الملوك |
|
وأحبار سوء ورهبانها |
فالملوك الجائرة يعترضون على الشريعة بالسياسات الجائرة ، ويعارضونها بها ، ويقدمونها على حكم الله ورسوله. وأحبار السوء ، وهم العلماء الخارجون عن الشريعة بآرائهم وأقيستهم الفاسدة ، المتضمنة تحليل ما حرم الله ورسوله ، وتحريم ما أباحه ، واعتبار ما ألغاه ، وإلغاء ما اعتبره ، واطلاق ما قيده ، وتقييد ما أطلقه ، ونحو ذلك. والرهبان وهم جهال المتصوفة ، المعترضون على حقائق الإيمان والشرع ، بالأذواق والمواجيد والخيالات والكشوفات الباطلة الشيطانية ، المتضمنة شرع دين لم يأذن به الله ، وإبطال دينه الذي شرعه على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم ، والتعوض عن حقائق الايمان بخدع الشيطان وحظوظ النفس. فقال الأولون : إذا تعارضت السياسة والشرع قدمنا السياسة! وقال الآخرون : إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل! وقال أصحاب الذوق إذا تعارض الذوق والكشف ، وظاهر الشرع قدمنا الذوق والكشف.
ومن كلام أبي حامد الغزالي رحمهالله في كتابه الذي سماه «إحياء علوم الدين» وهو من أجلّ كتبه ، أو أجلّها : «فإن قلت : فعلم الجدل والكلام مذموم كعلم النجوم أو هو مباح أو مندوب إليه؟ فاعلم أن للناس في هذا غلوّا وإسرافا في أطراف. فمن قائل : انه بدعة وحرام ، وان العبد أن يلقى الله بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام. ومن قائل : إنه فرض ، إما على الكفاية ، واما على الاعيان ، وانه أفضل الأعمال وأعلى القربات ، فإنه تحقيق لعلم التوحيد ونضال