جديدا على معان صحيحة ، كالاصطلاح على ألفاظ العلوم الصحيحة ، ولا كرهوا أيضا الدلالة على الحق والمحاجة لأهل الباطل ، بل كرهوه لاشتماله على أمور كاذبة مخالفة للحق. ومن ذلك : مخالفتها للكتاب والسنة وما فيه من علوم صحيحة ، فقد وعروا الطريق إلى تحصيلها ، وأطالوا الكلام في إثباتها مع قلة نفعها ، فهي لحم جمل غثّ على رأس جبل وعر ، لا سهل فيرتقى ، ولا سمين فينتقى. وأحسن ما عندهم فهو في القرآن أصح تقريرا ، وأحسن تفسيرا ، فليس عندهم إلا التكلف والتطويل والتعقيد. كما قيل :
لو لا التنافس في الدنيا لما وضعت |
|
كتب التناظر لا «المغني» ولا «العمد» |
يحللون بزعم منهم عقدا |
|
وبالذي وضعوه زادت العقد |
فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وضعوه ، الشّبه والشكوك ، والفاضل الذي يعلم أن الشبه والشكوك زادت بذلك.
ومن المحال أن لا يحصل الشفاء والهدى والعلم واليقين من كتاب الله وكلام رسوله ، ويحصل من كلام هؤلاء المتحيرين. بل الواجب أن يجعل ما قاله الله ورسوله هو الأصل ، ويتدبر معناه ويعقله ، ويعرف برهانه ودليله العقلي والخبري السمعي ، ويعرف دلالته على هذا وهذا ، ويجعل أقوال الناس التي توافقه وتخالفه متشابهة مجملة ، فيقال لأصحابها : هذه الألفاظ تحتمل كذا وكذا ، فإن أرادوا بها ما يوافق خبر الرسول قبل ، وإن أرادوا بها ما يخالفه رد. وهذا مثل لفظ المركب والجسم والتحيز والجوهر والجهة والحيز والعرض ، ونحو ذلك. فإن هذه الألفاظ لم تأت في الكتاب والسنة بالمعنى الذي يريده أهل الاصطلاح ، بل ولا في اللغة ، بل هم يخصون بالتعبير بها عن معان لم يعبر غيرهم عنها بها ، فتفسر تلك المعاني بعبارات أخر ، وينظر ما دل عليه القرآن من الأدلة العقلية والسمعية ، وإذا وقع الاستفسار والتفصيل تبين الحق من الباطل.
مثال ذلك ، في التركيب. فقد صار له معان : أحدها : التركيب من متباينين فأكثر. ويسمى : تركيب مزج ، كتركيب الحيوان من الطبائع الأربع والأعضاء ونحو ذلك ، وهذا المعنى منفي عن الله سبحانه وتعالى ، ولا يلزم من وصف الله تعالى بالعلوّ ونحوه من صفات الكمال ، أن يكون مركبا بهذا المعنى المذكور.