والثاني : تركيب الجوار ، كمصراعي الباب ونحو ذلك ، ولا يلزم أيضا من ثبوت صفاته تعالى إثبات هذا التركيب. الثالث : التركيب من الأجزاء المتماثلة ، وتسمى : الجواهر المفردة. الرابع : التركيب من الهيولى والصورة ، كالخاتم مثلا ، هيولاه : الفضة ، وصورته معروفة. وأهل الكلام قالوا : إن الجسم يكون مركبا من الجواهر المفردة ، ولهم كلام في ذلك يطول ، ولا فائدة فيه؟؟ هو أنه : هل يمكن التركيب من جزءين ، أو من أربعة ، أو ستة ، أو ثمانية ، أو ستة عشر؟ وليس هذا التركيب لازما لثبوت صفاته تعالى وعلوه على خلقه. والحق أن الجسم غير مركب من هذه الأشياء ، وإنما قولهم مجرد دعوى ، وهذا مبسوط في موضعه. الخامس : التركيب من الذات والصفات ، هم سموه تركيبا لينفوا به صفات الرب تعالى ، وهذا اصطلاح منهم لا يعرف في اللغة ، ولا في استعمال الشارع ، فلسنا نوافقهم على هذه التسمية ولا كرامة. ولئن سموا إثبات الصفات تركيبا ـ : فنقول لهم : العبرة للمعاني لا للألفاظ ، سموه ما شئتم ، ولا يترتب على التسمية بدون المعنى حكم! فلو اصطلح على تسمية اللبن خمرا ، لم يحرم بهذه التسمية. السادس : التركيب من الماهية ووجودها ، وهذا يفرضه الذهن أنهما غيران ، وأما في الخارج ، هل يمكن ذات مجردة عن وجودها ، ووجودها مجرد عنها؟ هذا محال. فترى أهل الكلام يقولون : هل ذات الرب وجوده أم غير وجوده؟ ولهم في ذلك خبط كثير. وأمثلهم طريقة رأي الوقف والشك في ذلك. وكم يزول بالاستفسار والتفصيل كثير من الأضاليل والأباطيل.
وسبب الإضلال الإعراض عن تدبر كلام الله وكلام رسوله ، والاشتغال بكلام اليونان والآراء المختلفة. وإنما سمي هؤلاء : أهل الكلام ، لأنهم لم يفيدوا علما لم يكن معروفا ، وإنما أتوا بزيادة كلام قد لا يفيد ، وهو ما يضربونه من القياس لإيضاح ما علم بالحس ، وإن كان هذا القياس وأمثاله ينتفع به في موضع آخر ، ومع من ينكر الحس. وكل من قال برأيه وذوقه وسياسته ـ مع وجود النص ، أو عارض النص بالمعقول ـ فقد ضاهى إبليس ، حيث لم يسلم لأمر ربه ، بل قال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) الأعراف : ١٢. وقال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) النساء : ٨٠. وقال