ش : يشير الشيخ رحمهالله إلى الرد على المعتزلة ومن يقول بقولهم في نفي الرؤية ، وعلى من يشبه الله بشيء من مخلوقاته. فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» (١٧٨) ، الحديث : أدخل «كاف» التشبيه على «ما» المصدرية [أو] الموصولة بترون التي تتأول مع صلتها الى المصدر الذي هو الرؤية ، فيكون التشبيه في الرؤية لا في المرئي. وهذا بين واضح في أن المراد إثبات الرؤية وتحقيقها ، ودفع الاحتمالات عنها. وما ذا بعد هذا البيان وهذا الإيضاح؟! فإذا سلط التأويل على مثل هذا النص ، كيف يستدل بنص من النصوص؟! وهل يحتمل هذا النص أن يكون معناه : إنكم تعلمون ربكم كما تعلمون القمر ليلة البدر؟! ويستشهد لهذا التأويل الفاسد بقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) الفيل : ١. ونحو ذلك مما استعمل فيه «رأى» التي من أفعال القلوب!! ولا شك أن «ترى» تارة تكون بصرية ، وتارة تكون قلبية ، وتارة تكون من رؤيا الحلم ، وغير ذلك ، ولكن ما يخلو الكلام من قرينة تخلّص أحد معانيه من الباقي. وإلا لو أخلى المتكلم كلامه من القرينة المخلّصة لأحد المعاني لكان مجملا ملغزا ، لا مبيّنا موضحا. وأي بيان وقرينة فوق قوله : «ترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب»؟ فهل مثل هذا مما يتعلق برؤية البصر ، أو برؤية القلب؟ وهل يخفى مثل هذا إلا على من أعمى الله قلبه؟
فإن قالوا : ألجأنا إلى هذا التأويل ، حكم العقل بأن رؤيته تعالى محال لا يتصور إمكانها!
فالجواب : أن هذه دعوى منكم ، خالفكم فيها أكثر العقلاء ، وليس في العقل ما يحيلها ، بل لو عرض على العقل موجود قائم بنفسه لا يمكن رؤيته لحكم بأن هذا محال.
وقوله : «لمن اعتبرها منهم بوهم» ، أي توهم أن الله تعالى يرى على صفة كذا ، فيتوهم تشبيها ، ثم بعد هذا التوهم ـ إن أثبت ما توهمه من الوصف ـ فهو مشبه ، وإن نفى الرؤية من أصلها لأجل ذلك التوهم ـ فهو جاحد معطل. بل
__________________
(١٧٨) متفق عليه ، وقد تقدم (ص ١٩٣).