الواجب دفع ذلك الوهم وحده ، ولا يعم بنفيه الحق والباطل ، فينفيهما ردّا على من أثبت الباطل ، بل الواجب رد الباطل وإثبات الحق.
وإلى هذا المعنى أشار الشيخ رحمهالله بقوله : «ومن لم يتوقّ النفي والتشبيه ، ازل ولم يصب التنزيه» فإن هؤلاء المعتزلة يزعمون أنهم ينزهون الله بهذا النفي! وهل يكون التنزيه بنفي صفة الكمال؟ فإن نفي الرؤية ليس بصفة كمال ، إذ المعدوم لا يرى ، وإنما الكمال في إثبات الرؤية ونفي إدراك الرائي له ادراك احاطة ، كما في العلم ، فإن نفي العلم به ليس بكمال ، وإنما الكمال في إثبات العلم ونفي الإحاطة به علما. فهو سبحانه لا يحاط به رؤية ، كما لا يحاط به علما.
وقوله : «أو تأولها بفهم» أي ادعى أنه فهم لها تأويلا يخالف ظاهرها ، وما يفهمه كل عربي من معناها ، فإنه قد صار اصطلاح المتأخرين في معنى التأويل : أنه صرف اللفظ عن ظاهره ، وبهذا تسلط المحرّفون على النصوص ، وقالوا : نحن نتأول ما يخالف قولنا ، فسموا التحريف : تأويلا ، تزيينا له وزخرفة ليقبل ، وقد ذم الله الذين زخرفوا الباطل ، قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) الانعام : ١١٢. العبرة للمعاني لا للألفاظ. فكم من باطل قد أقيم عليه دليل مزخرف عورض به دليل الحق. وكلامه هنا نظير قوله فيما تقدم : «لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ، ولا متوهمين بأهوائنا». ثم أكد هذا المعنى بقوله : «إذا كان تأويل الرؤية ـ وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية ـ : بترك التأويل ، ولزوم التسليم ، وعليه دين المسلمين». ومراده ترك التأويل [الذي] يسمونه تأويلا ، وهو تحريف. ولكن الشيخ رحمهالله تأدب وجادل بالتي هي أحسن ، كما أمر الله تعالى بقوله : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل : ١٢٥. وليس مراده ترك كل ما يسمى تأويلا ، ولا ترك شيئا من الظواهر لبعض الناس لدليل راجح من الكتاب والسنة. وإنما مراده ترك التأويلات الفاسدة المبتدعة ، المخالفة لمذهب السلف ، التي يدل الكتاب والسنة على فسادها ، وترك القول على الله بلا علم.
فمن التأويلات الفاسدة ، تأويل أدلة الرؤية ، وأدلة العلو ، وأنه لم يكلم موسى تكليما ، ولم يتخذ إبراهيم خليلا!