ثم قد صار لفظ «التأويل» مستعملا في غير معناه الأصلي.
فالتأويل في كتاب الله وسنة رسوله : هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام. فتأويل الخبر : هو عين المخبر به ، وتأويل الأمر : نفس الفعل المأمور به. كما قالت عائشة رضي الله عنها : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في ركوعه : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي» يتأول القرآن (١٧٩). وقال تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) الاعراف : ٥٣. ومنه تأويل الرؤيا ، وتأويل العمل ، كقوله : (هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) يوسف : ١٠٠. وقوله : (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) يوسف : ٦. وقوله : (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء : ٥٩. وقوله : (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) الكهف : ٧٨ ، الى قوله : (ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) الكهف : ٨٢ ، فمن ينكر وقوع مثل هذا التأويل ، والعلم بما تعلق بالأمر والنهي منه؟ وأما ما كان خبرا ، كالإخبار عن الله واليوم الآخر ، فهذا قد لا يعلم تأويله ، الذي هو حقيقته ، إذ كانت لا تعلم بمجرد الإخبار ، فإن المخبر إن لم يكن قد تصور المخبر به ، أو ما يعرفه قبل ذلك ـ لم يعرف حقيقته ، التي هي تأويله ، بمجرد الإخبار. وهذا هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله. لكن لا يلزم من نفي العلم بالتأويل نفي العلم بالمعنى الذي قصد المخاطب إفهام المخاطب إياه ، فما في القرآن آية إلا وقد أمر الله بتدبرها ، وما أنزل آية إلا وهو يحب أن يعلم ما عنى بها ، وان كان من تأويله ما لا يعلمه إلا الله. فهذا معنى التأويل في الكتاب والسنة وكلام السلف ، وسواء كان هذا التأويل موافقا للظاهر أو مخالفا له.
والتأويل في كلام كثير من المفسرين ، كابن جرير ونحوه ، يريدون به تفسير الكلام وبيان معناه ، سواء وافق ظاهره أو خالف ، وهذا اصطلاح معروف. وهذا التأويل كالتفسير ، يحمد حقه ، ويرد باطله. وقوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) آل عمران : ٧ ، الآية ـ فيها قراءتان : قراءة من يقف
__________________
(١٧٩) متفق عليه.