على قوله (إلا الله) ، وقراءة من لا يقف عندها ، وكلتا القراءتين حق. ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله. ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره ، وهو تأويله. ولا يريد من وقف على قوله (إلا الله) أن يكون التأويل بمعنى التفسير للمعنى ، فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاما لا يعلم معناه جميع الأمة ولا الرسول ، ويكون الراسخون في العلم لا حظّ لهم في معرفة معناها سوى قولهم : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) آل عمران : ٧. وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين ، والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوامّ المؤمنين في ذلك. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله. ولقد صدق رضي الله عنه ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا له وقال : «اللهم فقّهه في الدين ، وعلّمه التأويل» (١٨٠). رواه البخاري وغيره. ودعاؤه صلىاللهعليهوسلم لا يرد. قال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس ، من أوله إلى آخره ، أقفه عند كل آية وأسله عنها. وقد تواترت النقول عنه أنه تكلم في جميع معاني القرآن ، ولم يقل عن آية إنها من المتشابه الذي لا يعلم أحد تأويله إلا الله. وقول الأصحاب رحمهمالله في الأصول : المتشابه : الحروف المقطعة في أوائل السور ، ويروى هذا عن ابن عباس. مع أن هذه الحروف قد تكلم في معناها أكثر الناس ، فإن كان معناها معروفا ، فقد عرف معنى المتشابه ، وإن لم يكن معروفا ، وهي المتشابه ، كان ما سواها معلوم المعنى ، وهذا المطلوب.
وأيضا فإن الله قال : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) آل عمران : ٧. وهذه الحروف ليست آيات عند جمهور العادّين.
__________________
(١٨٠) صحيح ، رواه أحمد (١ / ٢٦٦ ، ٣١٤ ، ٣٢٨ ، ٣٣٥) والطبراني في «المعجم الكبير» (١ / ٨٤ / ٢) والبيهقي في «دلائل النبوة» والضياء المقدسي في «المختارة» بسند صحيح عن ابن عباس. وأما عز والمصنف اياه للبخاري فوهم ، وانما عنده بلفظ : «اللهم علمه الحكمة» ، وفي لفظ «الكتاب» بدل «الحكمة» ، أخرجه (١ / ٣١ ، ٢ / ٤٤٥ ، ٤ / ٤٩٩) وهو رواية لأحمد (١ / ٢١٤ ، ٢٦٩ ، ٣٥٩) والطبراني ، ورواه مسلم (٧ / ١٥٨) مختصرا بلفظ : «اللهم فقّه». وهو رواية لأحمد (١ / ٣٢٧) وفي أخرى له (١ / ٣٣٠) عن ابن عباس قال ..
فدعا الله أن يزيدني علما وفهما.