١١٦. وقال تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) الانعام : ٥٤. وقال تعالى : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) طه : ٤١. وقال تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) آل عمران : ٢٨. وقال صلىاللهعليهوسلم في حديث الشفاعة لمّا يأتي الناس آدم فيقولون له : «خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء» (١٨٢) ، الحديث. ولا يصح تأويل من قال : إن المراد باليد : بالقدرة ، فإن قوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ص : ٧٥. لا يصح أن يكون معناه بقدرتي مع تثنية اليد ، ولو صح ذلك لقال إبليس : وأنا أيضا خلقتني بقدرتك ، فلا فضل له عليّ بذلك. فإبليس ـ مع كفره ـ كان أعرف بربه من الجهمية. ولا دليل لهم في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ) يس : ٧١. لأنه تعالى جمع الأيدي لما أضافها إلى ضمير الجمع ، ليتناسب الجمعان ، فاللفظان للدلالة على الملك والعظمة. ولم يقل : «أيدي» مضافا إلى ضمير المفرد ، ولا «يدينا» بتثنية اليد مضافا الى ضمير الجمع. فلم يكن قوله : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) نظير قوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ). وقال النبي صلىاللهعليهوسلم عن ربه عزوجل : «حجابه النور ، ولو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» (١٨٣).
ولكن لا يقال لهذه الصفات إنها أعضاء ، أو جوارح ، أو أدوات ، أو أركان ، لأن الركن جزء الماهية ، والله تعالى هو الأحد الصمد ، لا يتجزأ ، سبحانه وتعالى ، والأعضاء فيها معنى التفريق والتعضية (١٨٤) ، تعالى الله عن ذلك ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) الحجر : ٩١. والجوارح فيها معنى الاكتساب والانتفاع. وكذلك الأدوات هي الآلات التي ينتفع بها في جلب المنفعة ودفع المضرّة. وكل هذه المعاني منتفية عن الله تعالى ، ولهذا لم يرد ذكرها في صفات الله تعالى. فالألفاظ الشرعية صحيحة المعاني ، سالمة من الاحتمالات الفاسدة ،
__________________
(١٨٢) صحيح ، أخرجه البخاري (٤ / ٤٥٤ ، ٤٦٤) وأحمد (٣ / ١١٦) في حديث الشفاعة من حديث أنس ، وسيأتي بلفظ آخر. (ص ٢٢٩).
(١٨٣) صحيح ، وقد تقدم بتمامه (برقم ٥٢ و ١٧١).
(١٨٤) التعضية : التقطيع ، وجعل الشيء أعضاء.