من مخلوقاته ، فالاعتصام بالألفاظ الشرعية أولى. الثاني : أن قوله : كسائر المبتدعات ـ يفهم منه أنه ما من مبتدع إلا وهو محويّ!! وفي هذا نظر. فإنه إن أراد أنه محوي بأمر وجودي ، فممنوع ، فإن العالم ليس في عالم آخر ، وإلا لزم التسلسل. وان أراد أمرا عدميّا ، فليس كل مبتدع في العدم ، بل منها [ما هو داخل في غيره ، كالسماوات والأرض في الكرسي ، ونحو ذلك ، ومنها] ما هو منتهى المخلوقات ، كالعرش. فسطح العالم ليس في غيره من المخلوقات ، قطعا للتسلسل ، كما تقدم. ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال : بأن «سائر» بمعنى البقية ، لا بمعنى الجميع ، وهذا أصل معناها ، ومنه «السؤر» ، وهو ما يبقيه الشارب في الإناء. فيكون مراده غالب المخلوقات ، لا جميعها ، إذ «السائر» على الغالب أدل منه على الجميع ، فيكون المعنى : أن الله تعالى غير محويّ ـ كما يكون أكثر المخلوقات محويّا ، بل هو غير محوي ـ بشيء ، تعالى الله عن ذلك. ولا نظن بالشيخ رحمهالله أنه ممن يقول إن الله تعالى ليس داخل العالم ولا خارجه بنفي التعيينين ، كما ظنه بعض الشارحين ، بل مراده : أن الله تعالى منزه عن أن يحيط به شيء من مخلوقاته ، وأن يكون مفتقرا إلى شيء منها ، العرش أو غيره.
وفي ثبوت هذا الكلام عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه نظر ، فإن أضداده قد شنعوا عليه بأشياء أهون منه ، فلو سمعوا مثل هذا الكلام لشاع عنهم تشنيعهم عليه به ، وقد نقل أبو مطيع البلخي عنه إثبات العلو ، كما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى. وظاهر هذا الكلام يقتضي نفيه ، ولم يرد بمثله كتاب ولا سنة ، فلذلك قلت : إن في ثبوته عن الإمام نظرا ، وان الأولى التوقف في إطلاقه ، فإن الكلام بمثله خطر ، بخلاف الكلام بما ورد عن الشارع ، كالاستواء والنزول ونحو ذلك. ومن ظن من الجهال أنه اذا «نزل الى سماء الدنيا» (١٨٥) كما أخبر الصادق صلىاللهعليهوسلم ـ يكون العرش فوقه ، ويكون محصورا بين طبقتين من العالم! فقوله مخالف لإجماع السلف ، مخالف للكتاب والسنة. وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن
__________________
(١٨٥) متفق عليه بل هو متواتر ، وقد خرجته في «ارواء الغليل» (٤٥٠) وراجع ان شئت بعض الفاظه الصحيحة في «صحيح الجامع الصغير» رقم ١٩١٤).