قبل الصراط ، لأنه يختلج عنه ، ويمنع منه ، أقوام قد ارتدّوا على أعقابهم ، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط. وروى البخاري ومسلم عن جندب بن عبد الله البجلي ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «أنا فرطكم على الحوض» (١٩٥). والفرط : الذي يسبق إلى الماء. وروى البخاري عن سهل بن سعد الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني فرطكم على الحوض ، من مر عليّ شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا ، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثم يحال بيني وبينهم» (١٩٦). قال أبو حازم : فسمعني النعمان ابن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل؟ فقلت : نعم. فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري ، سمعته وهو يزيد : فأقول : «إنهم من أمتي» فقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فقال : «سحقا سحقا لمن غيّر بعدي». سحقا : أي بعدا.
والذي يتلخص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض : أنه حوض عظيم ، ومورد كريم ، يمد من شراب الجنة ، من نهر الكوثر ، الذي هو أشد بياضا من اللبن ، وأبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، وهو في غاية الاتساع ، عرضه وطوله سواء ، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر. وفي بعض الأحاديث : أنه كلما شرب منه وهو في زيادة واتساع ، وأنه ينبت في خلاله من المسك والرضراض من اللؤلؤ [و] قضبان الذهب ، ويثمر ألوان الجواهر ، فسبحان الخالق الذي لا يعجزه شيء. وقد ورد في أحاديث : أن لكل نبي حوضا ، وأن حوض نبينا صلىاللهعليهوسلم أعظمها وأحلاها وأكثرها واردا (١٩٧). جعلنا الله منهم بفضله وكرمه.
__________________
(١٩٥) صحيح ، متفق عليه ، بل هو حديث متواتر ، قد أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» عن تسعة من الصحابة (٧٣٦ ـ ٧٤٦) وزدت عليهم تسعة آخرين في «ظلال الجنة» (١ / ٣٤٧) ، مع تخريجها.
(١٩٦) صحيح ، رواه مسلم أيضا (٧ / ٦٦). وهو مخرج في «الظلال» (٧٤١ ـ ٧٤٣).
(١٩٧) حسن ، اخرجه الترمذي (٢ / ٦٧) طبع الهند ، وقال «غريب» ثم ذكر انه ورد مرسلا وقال : «وهو أصح» ورواه الطبراني أيضا كما في «المجمع» (١٠ / ٣٦٣) وقال : «وفيه مروان بن جعفر السمري وثقه ابن أبي حاتم ، وقال الازدي : يتكلمون فيه ، وبقية وحاله ثقات». ثم وجدت ما يقوي الحديث ، فخرجته في الصحيحة (١٥٨٩).