فإن قيل : فأي فرق بين قول الداعي : «بحق السائلين عليك» وبين قوله : «بحق نبيك» أو نحو ذلك؟ فالجواب : أن معنى قوله : «بحق السائلين عليك» أنك وعدت السائلين بالإجابة ، وأنا من جملة السائلين ، فأجب دعائي ، بخلاف قوله : بحق فلان ـ فإن فلانا وإن كان له حقّ على الله بوعده الصادق ـ فلا مناسبة بين ذلك وبين إجابة دعاء هذا السائل. فكأنه يقول : لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعاي! وأي مناسبة في هذا وأي ملازمة؟ وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء! وقد قال تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الاعراف : ٥٥. وهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة ، ولم ينقل عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا عن الصحابة ، ولا عن التابعين ، ولا عن أحد من الأئمة رضي الله عنهم ، وإنما يوجد مثل هذا في الحروز والهياكل التي يكتب بها الجهال والطرقية. والدعاء من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على السنة والاتباع ، لا على الهوى والابتداع.
وإن كان مراده الإقسام على الله بحق فلان ، فذلك محذور أيضا ، لأن الإقسام بالمخلوق لا يجوز ، فكيف على الخالق؟! وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «من حلف بغير الله فقد أشرك» (٢١٣). ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه رضي الله عنهم : يكره أن يقول الداعي : أسألك بحق فلان ، أو بحق أنبيائك ورسلك ، وبحق البيت الحرام ، والمشعر الحرام ، ونحو ذلك حتى كره أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما أن يقول الرجل : اللهم إني أسألك بمعقد العزّ من عرشك ، ولم يكرهه أبو يوسف رحمهالله لما بلغه الأثر فيه (٢١٤). وتارة يقول : بجاه فلان عندك ، يقول : نتوسل إليك بأنبيائك ورسلك وأوليائك. ومراده أنّ فلانا عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعاءنا. وهذا أيضا محذور ، فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه في حياة النبي صلىاللهعليهوسلم لفعلوه بعد موته ، وإنما كانوا يتوسلون في حياته بدعائه ، يطلبون منه أن يدعو لهم ، وهم يؤمّنون على دعائه ، كما في الاستسقاء وغيره. فلما مات صلىاللهعليهوسلم
__________________
(٢١٣) صحيح ، رواه أحمد والحاكم وصححه. «الارواء» (٢٥٦١).
(٢١٤) قلت ، هو حديث مرفوع موضوع ، كما بينه الزيلعي في «نصب الراية» (٤ / ٢٧٣).