وترا ، فهو أيضا قد شفع المشفوع إليه ، وبشفاعته صار فاعلا للمطلوب ، فقد شفع الطالب والمطلوب منه ، والله تعالى وتر ، لا يشفعه أحد ، [فلا يشفع عنده أحد] إلا بإذنه ، فالأمر كله إليه ، فلا شريك له بوجه. فسيد الشفعاء يوم القيامة اذا سجد وحمد الله تعالى فقال له الله : «ارفع رأسك ، وقل يسمع ، [وسأل تعطه] ، واشفع تشفع» ، فيحد له حدّا فيدخلهم الجنة ، فالأمر كله لله. كما قال تعالى : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ، آل عمران : ١٥٤. وقال تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) آل عمران : ١٢٨. وقال تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) الأعراف : ٥٤.
فإذا كان لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه (٢١٧) لمن يشاء ، ولكن يكرم الشفيع قبول شفاعته ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء» (٢١٨). وفي «الصحيح» : أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يا بني عبد مناف ، لا أملك لكم من الله شيئا ، يا صفية يا عمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا أملك لك من الله شيئا ، يا عباس عمّ رسول الله ، لا أملك لك من الله شيئا» (٢١٨١). وفي «الصحيح» أيضا عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا ألفينّ أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، أو شاة لها يعار ، أو رقاع تخفق ، فيقول : أغثني أغثني ، فأقول : قد أبلغتك ، لا أملك لك من الله من شيء» (٢١٨٢). فإذا كان سيد الخلق وأفضل الشفعاء يقول لأخص الناس به : «لا أملك لكم من الله من شيء» فما الظن بغيره؟ وإذا دعاه الداعي ، وشفع عنده الشفيع ، فسمع الدعاء ، وقبل الشفاعة ، لم يكن هذا هو المؤثر فيه كما يؤثر المخلوق في المخلوق ، فإنه سبحانه [وتعالى] هو الذي جعل هذا يدعو ويشفع ، وهو الخالق لأفعال العباد ، فهو الذي وفّق العبد للتوبة ثم قبلها ، وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه ، وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه. وهذا مستقيم على أصول أهل السنة المؤمنين بالقدر ، وأن الله خالق كل شيء.
__________________
(٢١٧) سقط سهوا فهو بأذن.
(٢١٨) متفق عليه من حديث ابي موسى. وهو مخرج في «الصحيحة» (١٤٦٤).
(٢١٨١) اخرجه مسلم (١ / ١٣٣) من حديث ابي هريرة بألم منه مركبا من روايتين عنه.
(٢١٨٢) اخرجه البخاري (٢ / ٢٦٦) ومسلم (٦ / ١٠) وأحمد (٢ / ٤٢٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.