وعملها ، واستخرج تلك الصور من مادتها ، ثم أعادها إليها ، وقدّر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له ، ولا يدل على أنها خلقت خلقا مستقرا واستمرت موجودة ناطقة كلها في موضع واحد ثم يرسل منها الى الأبدان جملة بعد جملة ، كما قاله ابن حزم. فهذا لا تدل الآثار عليه. نعم ، الربّ سبحانه يخلق منها جملة بعد جملة ، [كما قاله] على الوجه الذي سبق به التقدير (٢٢٥) أولا ، فيجيء الخلق الخارجي مطابقا للتقدير السابق ، كشأنه سبحانه في جمع مخلوقاته ، فإنه قدر لها أقدارا وأجالا ، وصفات وهيآت ، ثم أبرزها الى الوجود مطابقة لذلك التقدير السابق. فالآثار المروية في ذلك إنما تدل على القدر السابق ، وبعضها يدل على أنه سبحانه استخرج أمثالهم وصورهم وميز أهل السعادة من أهل الشقاوة. وأما الإشهاد عليهم هناك ، فانما هو في حديثين موقوفين على ابن عباس وعمر رضي الله عنهم. ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف : إن المراد بهذا الإشهاد انما هو فطرتهم (٢٢٦) على التوحيد ، كما تقدم [كلام المفسرين على هذه الآية الكريمة] في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ومعنى قوله (شهدنا) : أي قالوا : بلى شهدنا أنك ربنا. وهذا قول ابن عباس وأبيّ بن كعب. وقال ابن عباس أيضا : أشهد بعضهم على بعض. وقيل : (شهدنا) من قول الملائكة ، [و] الوقف على قوله (بلى). وهذا قول مجاهد والضحاك وقال السدّي أيضا : هو خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم. والأول أظهر ، وما عداه احتمال لا دليل عليه ، وانما يشهد ظاهر الآية للأول.
واعلم أن من المفسرين من لم يذكر سوى القول بأن الله استخرج ذرية آدم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم ، كالثعلبي والبغوي وغيرهما. ومنهم من لم يذكره ، بل ذكر أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها الله فيهم ، كالزمخشري وغيره ، ومنهم من ذكر القولين ، كالواحدي والرازي والقرطبي وغيرهم ، لكن نسب الرازي القول الأول إلى أهل السنة ، والثاني الى المعتزلة. ولا ريب أن الآية لا تدل على القول الأول ، أعني أن الأخذ كان من ظهر آدم ، وإنما فيها أن الأخذ من ظهور بني آدم ، وإنما ذكر الأخذ من
__________________
(٢٢٥) في الأصل : التدبير.
(٢٢٦) في الأصل : فطرهم.