من مسلمة الدار ، لا مسلمة الاختيار ، وهذا إذا قيل له في قبره : من ربك؟ قال هاه هاه ، لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
فليتأمل اللبيب هذا المحل ، ولينصح نفسه ، وليقم معه ، ولينظر من أي الفريقين هو؟ والله الموفق ، فإن توحيد الربوبية لا يحتاج الى دليل ، فإنه مركوز في الفطر وأقرب ما ينظر فيه المرء (٢٣٧) أمر نفسه لما كان نطفة ، وقد خرج من بين الصلب والترائب [والترائب] : عظام الصدر (٢٣٨) ، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين ، في ظلمات ثلاث ، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق ، ولو كانت موضوعة على لوح أو طبق ، واجتمع حكماء العالم على أن يصوّروا منها شيئا لم يقدروا. ومحال توهم عمل الطبائع فيها ، لأنها موات عاجزة ، ولا توصف بحياة ، ولن يتأتى من الموات فعل وتدبير ، فإذا تفكر في ذلك وانتقال هذه النطفة من حال الى حال ، علم بذلك توحيد الربوبية ، فانتقل منه الى توحيد الإلهية. فإنّه اذا علم بالعقل أن له ربّا أوجده ، كيف يليق به أن يعبد غيره؟ وكلما تفكّر وتدبر ازداد يقينا وتوحيدا ، والله الموفق ، لا رب غيره ، ولا إله سواه.
قوله : (وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة ، وعدد من يدخل النار ، جملة واحدة ، فلا يزداد في ذلك العدد ولا ينقص منه. وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه).
ش : قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الانفال : ٧٥. (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) الأحزاب : ٤٠. فالله تعالى موصوف بأنه بكل شيء عليم أزلا وأبدا ، لم يتقدم علمه بالأشياء جهالة. وما كان ربك نسيّا. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتانا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقعد وقعدنا حوله ، ومعه مخصرة ، فنكس رأسه فجعل ينكت بمخصرته ثم قال : ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار ، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة ، قال : فقال رجل : يا رسول الله ، أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟
__________________
(٢٣٧) في الاصل : من.
(٢٣٨) في الاصل : الصدور.