فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ، فوالذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» (٢٤٢). والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وكذلك الآثار عن السلف. قال أبو عمر بن عبد البر في «التمهيد» : قد أكثر الناس من تخريج الآثار في هذا الباب ، وأكثر المتكلمون من الكلام فيه ، وأهل السنة مجتمعون على الإيمان بهذه الآثار واعتقادها وترك المجادلة فيها ، وبالله العصمة والتوفيق.
وقوله : (وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه ، لم يطلع على ذلك ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل ، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان ، وسلّم الحرمان ، ودرجة الطغيان ، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة ، فان الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ، ونهاهم عن مرامه ، كما قال تعالى في كتابه : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) الأنبياء : ٢٣. فمن سأل : لم فعل؟ فقد ردّ حكم الكتاب ، ومن رد حكم الكتاب ، كان من الكافرين).
ش : أصل القدر سر الله في خلقه ، وهو كونه أوجد وأفنى ، وأفقر وأغنى ، وأمات وأحيا ، وأضل وهدى. قال علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه : القدر سر الله فلا نكشفه. والنزاع بين الناس في مسألة القدر مشهور.
والذي عليه أهل السنة والجماعة : أن كل شيء بقضاء الله وقدره ، وأن الله تعالى خالق أفعال العباد. قال تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) القمر : ٤٩. وقال تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) الفرقان : ٢. وأن الله تعالى يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ، ولا يرضاه ولا يحبه ، فيشاؤه كونا ، ولا يرضاه دينا.
وخالف في ذلك القدرية والمعتزلة ، وزعموا : أن الله شاء الإيمان من الكافر ، ولكنّ الكافر شاء الكفر ، فردوا الى هذا لئلا يقولوا : شاء الكفر من الكافر وعذّبه عليه! ولكن صاروا : كالمستجير من الرمضاء بالنار!. (٢٤٢١) فإنهم هربوا من شياء
__________________
(٢٤٢) متفق عليه ، وهو مخرج أيضا في «الظلال» (١٧٥ و ١٧٦).
(٢٤٢١) صدر البيت : المستجير بعمر عند كربته ..