فوقعوا فيما هو شر منه! فإنه يلزم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى ، فإن الله قد شاء الإيمان منه ـ على قولهم ـ والكافر شاء الكفر ، فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله تعالى!! وهذا من أقبح الاعتقاد ، وهو قول لا دليل عليه ، بل هو مخالف للدليل.
روى اللالكائي ، من حديث بقية عن الأوزاعي ، حدثنا العلاء بن الحجاج ، عن محمد بن عبيد المكي : عن ابن عباس قال : قيل لابن عباس : إن رجلا قدم علينا يكذّب بالقدر ، فقال : دلوني عليه ، وهو يومئذ قد عمي ، فقالوا له : ما تصنع به؟ فقال : والذي نفسي بيده ، لئن استمكنت منه لأعضّنّ أنفه حتى أقطعه ، ولئن وقعت رقبته بيدي لأدقنّها ، فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «كأني بنساء بني فهر (٢٤٣) يطفن بالخرزج ، تصطفق ألياتهن مشركات ، هذا أول شرك في الإسلام ، والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يقدر الخير ، كما أخرجوه من أن يقدّر الشر» (٢٤٤). قوله : وهذا أول شرك في الإسلام. الى آخره ، من كلام ابن عباس. وهذا يوافق قوله : «القدر نظام التوحيد ، فمن وحّد الله وكذّب بالقدر نقض تكذيبه توحيده» (٢٤٥). وروى عمرو بن الهيثم قال : خرجنا في سفينة ، وصحبنا فيها قدري ومجوسي ، فقال القدري للمجوسي : أسلم ، قال المجوسي : حتى يريد الله فقال القدري : إن الله يريد ولكن الشيطان لا يريد! قال المجوسي : أراد الله وأراد الشيطان ، فكان ما أراد الشيطان! هذا شيطان قوي!! وفي رواية أنه قال : فأنا مع أقواهما!!. ووقف أعرابي على حلقة فيها عمرو بن عبيد ، فقال : يا هؤلاء إن ناقتي سرقت فادعوا الله أن يردّها علي ،
__________________
(٢٤٣) بالفاء وهم بطن من قيس غيلان كما في «الانساب «للسمعاني.
(٢٤٤) ضعيف ، وعلته العلاء بن الحجاج ، فانه في عداد المجهولين ، ولم يوثقه أحد ، حتى ولا ابن حبان! بل ضعفه الأزدي ، كما قال الذهبي ، وتضعيفه وإن كان مغموزا فيه ، فهو معتبر هاهنا لأنه لم يخالف بذلك توثيق احد ، ولذلك فان تحسين الشيخ أحمد شاكر رحمهالله تعالى لمثل هذا اسناد من تساهله الذي عرف به عند أهل العلم بهذا الشأن. وقد اخرجه ابن ابي عاصم في «السنة» (٧٩).
(٢٤٥) ضعيف موقوفا ومرفوعا ، أما الموقوف فرواه اللالكائي في «شرح السنة» (١ / ١٤٢ / ١ ، ٦ / ٢٦٢ / ٢) وفيه من لم يسم ، وأما المرفوع ، فرواه بنحوه الطبراني في «الأوسط» وفيه هانئ بن المتوكل وهو ضعيف ، وهو مخرج في «الضعيفة» (٤٠٧٢).