فقال عمرو بن عبيد : اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقته فسرقت ، فارددها عليه! فقال الأعرابي : لا حاجة لي في دعائك! قال : ولم؟ قال : أخاف ـ كما أراد أن لا تسرق فسرقت ـ أن يريد ردّها فلا ترد!!. وقال رجل لأبي عصام القسطلاني (٢٤٦). أرأيت إن منعني الهدى وأوردني الضلال ثم عذّبني ، أيكون منصفا؟ فقال له أبو عصام : إن يكن الهدى شيئا هو له فله أن يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء.
وأما الأدلة من الكتاب والسنة : فقد قال تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ، وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) السجدة ١٣. وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس : ٩٩. وقال تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) التكوير : ٢٩. (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ، إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) الدهر : ٣٠. وقال تعالى : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ ، وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الانعام : ٣٩. وقال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) الانعام : ١٢٥.
ومنشأ الضلال : من التسوية بين : المشيئة ، والإرادة ، وبين : المحبة ، والرضى ، فسوّى الجبرية والقدرية ، ثم اختلفوا ، فقالت الجبرية : الكون كله بقضائه وقدره ، فيكون محبوبا مرضيا. وقالت القدرية النفاة : ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له ، فليست مقدّرة ولا مقضية ، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه. وقد دل
__________________
(٢٤٦) دخل عبد الجبار الهمداني ـ أحد شيوخ المعتزلة ـ على الصاحب ابن عباد وعنده أبو إسحاق الأسفراييني ـ أحد ائمة السنة ـ فلما رأى الاستاذ قال : سبحان من تنزه عن الفحشاء ، فقال الاستاذ فورا : سبحان من لا يقع في ملكه الا ما يشاء ، فقال القاضي : أيشاء ربنا أن يعصى؟ قال الاستاذ : أيعصى ربنا قهرا؟ فقال القاضي : أرأيت ان منعني الهدى وقضى عليّ بالرديء أحسن الي أم أساء؟ فقال الاستاذ : ان منعك ما هو لك فقد اساء وان منعك ما هو له فهو يختص برحمته من يشاء. فبهت القاضي عبد الجبار. وفي «تاريخ الطبري» (٨ / ١٢٥) ان غيلان قال لميمون بن مهران بحضرة هشام بن عبد الملك الذي أتى به ليناقشه : أشاء الله أن يعصي؟ فقال له ميمون : أفعصي كارها.