على الفرق بين : المشيئة ، والمحبة. الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة. أما نصوص المشيئة والإرادة من الكتاب ، فقد تقدم ذكر بعضها. وأما نصوص المحبة والرضى ، فقال تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) البقرة : ٢٠٥. (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) الزمر : ٧. وقال تعالى عقيب ما نهى عنه من الشرك والظلم والفواحش والكبر : : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) الاسراء : ٣٨. وفي «الصحيح» عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال» (٢٤٧). وفي «المسند» : إن الله يحب أن يؤخذ برخصه ، كما يكره أن تؤتى معصيته (٢٤٨). وكان من دعائه : «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك» (٢٤٩). فتأمل ذكر استعاذته بصفة الرضى من صفة السخط ، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة. فالأول : الصفة ، والثاني : أثرها المرتب عليها ، ثم ربط ذلك كله بذاته سبحانه ، وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره ، فما أعوذ منه واقع بمشيئتك وإرادتك ، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك ، إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه ، وان شئت أن تغضب عليه وتعاقبه ، فإعاذتي مما أكره ومنعه أن يحل بي ، هي بمشيئتك أيضا ، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك ، فعياذي بك منك ، وعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك ، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك ، بل هو منك. فلا يعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية ، إلا الراسخون في العلم بالله ومعرفته ومعرفة عبوديته.
فإن قيل : كيف يريد الله أمرا ولا يرضاه ولا يحبه؟ وكيف يشاؤه ويكوّنه؟ وكيف يجمع إرادته له وبغضه وكراهته؟ قيل : هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فرقا ، وتباينت طرقهم وأقوالهم. فاعلم أن المراد نوعان : مراد لنفسه ، ومراد لغيره.
__________________
(٢٤٧) صحيح متفق عليه ، البخاري في «الاستقراض» ومسلم في «الأقضية».
(٢٤٨) صحيح ، رواه احمد وغيره بسند صحيح. وهو مخرج في «إرواء الغليل» (٥٦٤).
(٢٤٩) صحيح ، وتقدم (برقم ٧٢) وهو مخرج في صحيح ابي داود (٨٢٣).