الأسماء والأفعال كمال ، لا بد من وجود متعلّقها ، ولو كان الجن والإنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء. ومنها : ظهور آثار أسمائه المتضمنة لحلمه وعفوه ومغفرته وستره وتجاوزه عن حقه وعتقه لمن شاء من عبيده ، فلو لا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية الى ظهور آثار هذه الأسماء لتعطلت هذه الحكم والفوائد. وقد أشار النبي صلىاللهعليهوسلم الى هذا بقوله : «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم» (٢٥١). ومنها : ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة ، فإنه الحكيم الخبير ، الذي يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها اللائقة بها ، فلا يضع الشيء في غير موضعه ، ولا ينزله غير منزلته التي يقتضيها كمال علمه وحكمته وخبرته. فهو أعلم حيث يجعل رسالاته ، وأعلم بمن يصلح لقبولها ويشكره على انتهائها إليه ، واعلم بمن لا يصلح لذلك. فلو قدر عدم الأسباب المكروهة ، لتعطلت حكم كثيرة ، ولفاتت مصالح عديدة ، ولو عطلت تلك الأسباب لما فيها من الشر ، لتعطل الخير الذي هو أعظم من الشر الذي في تلك الأسباب ، وهذا كالشمس والمطر والرياح (٢٥٢) ، التي فيها من المصالح ما هو أضعاف أضعاف ما يحصل بها من الشر. ومنها : حصول العبودية المتنوعة التي لو لا خلق إبليس لما حصلت ، فإن عبودية الجهاد من أحبّ أنواع العبودية إليه سبحانه. ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية وتوابعها من الموالات لله سبحانه [وتعالى] والمعاداة فيه ، وعبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعبودية الصبر ومخالفة الهوى وإيثار محابّ الله تعالى ، وعبودية التوبة والاستغفار ، وعبودية الاستعاذة بالله أن يجيره من عدوه ويعصمه من كيده وأذاه. إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها.
فإن قيل : فهل كان يمكن وجود تلك الحكم بدون هذه الأسباب؟
__________________
(٢٥١) اخرجه مسلم (٨ / ٩٤) عن ابي هريرة ، وابي أيوب نحوه ، وهما مخرجان في «الصحيحة» (٩٦٨ و ٩٦٩) ، وله فيه شواهد (٩٦٧ و ٩٧٠).
(٢٥٢) قال عفيفي : انظر هذا الاعتراض وتفصيل جوابه في ص ١٩٣ / ١٩٨ من «مدارج السالكين» و ٢٨٢ / ٢٨٣ من كتاب «الداء والدواء» والمسمى «الجواب الكافي» للإمام ابن القيم ، فإنه وفي هذا المقام حقه
.