بشرّ ، فإن وجوده هو المنسوب إليه ، وهو من هذه الجهة ليس بشرّ ، والشر الذي فيه من عدم إمداده بالخير وأسبابه ، والعدم ليس بشيء ، حتى ينسب الى من بيده الخير.
فإن أردت مزيد إيضاح لذلك ، فاعلم أن أسباب الخير ثلاثة : الإيجاد ، والإعداد ، والامداد. فإيجاد هذا خير ، وهو الى الله ، وكذلك إعداده وإمداده ، فإن لم يحدث فيه اعداد ولا امداد حصل فيه الشر بسبب هذا العدم الذي ليس الى الفاعل ، وإنما إليه ضده.
فإن قيل : هلّا أمده إذا أوجده؟ قيل : ما اقتضت الحكمة إيجاده وإمداده ، وإنما اقتضت إيجاده وترك امداده. فإيجاده خير ، والشر وقع من عدم إمداده.
فإن قيل : فهلّا أمد الموجودات كلها؟ فهذا سؤال فاسد ، يظن مورده أن التسوية بين الموجودات أبلغ في الحكمة! وهذا عين الجهل! بل الحكمة في هذا التفاوت العظيم الذي بين الأشياء ، وليس في خلق كل نوع منها تفاوت ، فكل نوع منها ليس في خلقه تفاوت ، والتفاوت إنما وقع لأمور عدمية لم يتعلق بها الخلق ، وإلا فليس في الخلق من تفاوت. فإن اعتاص عليك هذا ، ولم تفهمه حق الفهم ، فراجع قول القائل :
إذا لم تستطع شيئا فدعه |
|
وجاوزه إلى ما تستطيع (٢٥٣١) |
فإن قيل : كيف يرضى لعبده شيئا ولا يعينه عليه؟ قيل : لأن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة (٢٥٤) التي رضيها له ، وقد يكون وقوع تلك الطاعة منه يتضمن مفسدة هي أكره إليه سبحانه من محبته لتلك الطاعة. وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ ..) التوبة : ٤٦ ـ الآيتين. فأخبر سبحانه أنه كره انبعاثهم إلى الغزو مع رسوله ، وهو طاعة ، فلما كرهه منهم ثبّطهم عنه ، ثم ذكر
__________________
(٢٥٤) قال عفيفي : ارجع في الاعتراضات والأجوبة التي ذكرها الشارح من هذا الموضع الى قول المصنف في ص ٢٠٦ وللتعمق والنظر في ذلك الى ٢ / ١٩٨ من «المدارج».
(٢٥٣١) هو منسوب الى الشاعر عمرو بن معد يكرب.