وقوله : والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان. آخره ـ التعمق : هو المبالغة في طلب الشيء. والمعنى : أن المبالغة في طلب القدر والغوص في الكلام فيه ذريعة الخذلان. الذريعة : الوسيلة. والذريعة والدرجة والسلم ـ متقاربة المعنى ، وكذلك الخذلان والحرمان والطغيان متقاربة المعنى أيضا. لكن الخذلان في مقابلة الظفر. والطغيان في مقابلة الاستقامة.
وقوله : فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة. عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : جاء ناس من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال : «وقد وجدتموه؟ قالوا : نعم ، قال : ذلك صريح الإيمان» (٢٥٧). رواه مسلم ، الإشارة بقوله : «ذلك صريح الإيمان» إلى تعاظم أن يتكلموا به. ولمسلم أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الوسوسة؟ فقال : «تلك محض الإيمان» (٢٥٨). فهو بمعنى حديث أبي هريرة ، فإن وسوسة النفس أو مدافعة وسواسها بمنزلة المحادثة الكائنة بين اثنين ، فمدافعة الوسوسة الشيطانية واستعظامها صريح الإيمان ومحض الإيمان. هذه طريقة الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان. ثم خلف من بعدهم خلف ، سوّدوا الأوراق بتلك الوساوس ، التي هي شكوك وشبه ، بل سوّدوا الاوراق بتلك الوساوس ، التي هي شكوك وشبه ، بل وسوّدوا القلوب ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، ولذلك أطنب الشيخ رحمهالله في ذم الخوض في الكلام في القدر والفحص عنه. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أبغض الرجال الى الله الألد الخصم» (٢٥٩). وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا داود ابن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر ، قال (٢٦٠) : فكأنما تفقّأ في وجهه حبّ الرّمان من الغضب ،
__________________
(٢٥٧) اخرجه مسلم (١ / ٨٣) وكذا احمد (٢ / ٤٥٦).
(٢٥٨) رواه مسلم عنه ، وأحمد (٦ / ١٠٦) من حديث عائشة.
(٢٥٩) متفق عليه.
(٢٦٠) القائل هو المشاهد لغضب النبي صلىاللهعليهوسلم عند ما سمعهم يخوضوا في بحث القدر ، لما في الخوض به من مخالفة لما شرعه الله سبحانه.