وعن معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة» (٢٦٥). يعني : الأهواء ، كلها (٢٦٦) في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة.
وأكبر المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الأمة : مسألة القدر. وقد اتسع الكلام فيها غاية الاتساع.
وقوله : فمن سأل : لم فعل؟ فقد ردّ حكم الكتاب ، ومن ردّ حكم الكتاب كان من الكافرين.
اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله ـ على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبيّ صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به ، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلّغها عن ربها ، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها ، بل انقادت وسلمت وأذعنت ، وما عرفت من الحكمة عرفته ، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته ، ولا جعلت ذلك من شأنها ، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك ، كما في الإنجيل : «يا بني اسرائيل لا تقولوا : لم أمر ربنا؟ ولكن قولوا : بم أمر ربنا» ، ولهذا كان سلف هذه الأمة ، التي هي أكمل الأمم عقولا ومعارف وعلوما ـ لا تسأل نبيها : لم أمر الله بكذا؟ ولم نهى عن كذا؟ ولم قدّر كذا؟ ولم فعل كذا؟ لعلمهم أن ذلك مضادّ للإيمان والاستسلام ، وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم. فأول مراتب تعظيم الأمر التصديق به ، ثم العزم الجازم على امتثاله ، ثم المسارعة إليه والمبادرة به ، والحذر عن القواطع والموانع ، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه ، ثم فعله لكونه مأمورا ، بحيث لا يتوقف الإتيان به على معرفة حكمته ـ فإن ظهرت له
__________________
(٢٦٥) صحيح ، ومخرج في المصدر المذكور (٢٠٤).
(٢٦٦) في الاصل : كلّهم
.