واختلف العلماء : هل القلم أول المخلوقات ، أو العرش؟ على قولين ، ذكرهما الحافظ أبو العلاء الهمداني ، أصحهما : أن العرش قبل القلم ، لما ثبت في «الصحيح» من حديث عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، [قال] : وعرشه على الماء» (٢٧٢). فهذا صريح أن التقدير وقع بعد خلق العرش ، والتقدير وقع عند أول خلق القلم ، بحديث عبادة هذا. ولا يخلو قوله : «أول ما خلق الله القلم» ، إلخ ـ إما أن يكون جملة أو جملتين. فإن كان جملة ، وهو الصحيح ، كان معناه : أنه عند أول خلقه قال له : «اكتب» ، [كما في اللفظ : «أول ما خلق الله القلم قال له : اكتب]» بنصب «أول» و «القلم» ، وإن كان جملتين ، وهو مروي برفع «أول» و «القلم» ، فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم ، فيتفق الحديثان ، إذ حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير ، والتقدير مقارن لخلق القلم. وفي اللفظ الآخر : «لما خلق الله القلم قال له : اكتب» ، فهذا القلم أول الأقلام وأفضلها وأجلها. وقد قال غير واحد من أهل التفسير : إنه القلم الذي أقسم الله به في قوله تعالى : (ن. وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) القلم : ١ ، ٢. والقلم الثاني : قلم الوحي : وهو الذي يكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله ، وأصحاب هذا القلم هم : الحكّام على العالم. والأقلام كلها خدم لأقلامهم. وقد رفع النبي صلىاللهعليهوسلم لله ليلة أسري به إلى مستوى يسمع فيه
__________________
واذا كان لا بد من الترجيح بينهما ، فالأخرى أرجح من الاولى لاتفاق اكثر الرواة عليها ، ولأن لها شاهدا عن أبي هريرة كما تقدم ، ولانها تتضمن زيادة في المعنى ، وعليه فلا تعارض بين الحديث على هذه الرواية وبين حديث عبد الله بن عمرو ، لأن حديثه صريح في أن الكتابة تأخرت عن خلق العرش ، والحديث على الرواية الراجحة صريح في أن القلم أول مخلوق ، ثم أمر بأن يكتب كل شيء يكون ، ومنه العرش ، فالارجح عندي أن القلم متقدم على العرش. والله أعلم.
وفي الحديث اشارة لطيفة الى الرد على من يقول من العلماء : بحوادث لا أول لها ، وانه ما من مخلوق الا وهو مسبوق بمخلوق وهكذا الى ما لا أول له! فتأمل. وراجع لهذا «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (رقم ١٣٣).
(٢٧٢) صحيح وتقدم (برقم ٨٠).