فمن أرضى الله كفاه مئونة الناس ورضي عنه ، ثم فيما بعد يرضون ، إذ العاقبة للتقوى ، ويحبه الله فيحبه الناس. كما في «الصحيحين» عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «اذا أحب الله العبد نادى : يا جبرائيل ، إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبرائيل ، ثم ينادي جبرائيل في السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض» (٢٧٩) ، وقال في البغض مثل ذلك. فقد بين أنه لا بد لكل مخلوق من أن يتقي إما المخلوق ، واما الخالق. وتقوى المخلوق ضررها راجح على نفعها من وجوه كثيرة ، وتقوى الله هي التي يحصل بها (٢٨٠) سعادة الدنيا والآخرة ، فهو سبحانه أهل التقوى ، وهو أيضا أهل المغفرة ، فإنه هو الذي يغفر الذنوب ، لا يقدر مخلوق على أن يغفر الذنوب ويجير من عذابها غيره ، وهو الذي يجير ولا يجار عليه. قال بعض السلف : ما احتاج تقي قط ، لقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق : ٢ ـ ٣ ، فقد ضمن الله للمتقين أن يجعل لهم مخرجا مما يضيق على الناس ، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون ، فإذا لم يحصل ذلك دل على أن في التقوى خللا ، فليست نفر الله وليتب إليه ، ثم قال تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق : ٣ ، أي فهو كافيه ، لا يحوجه الى غيره.
__________________
(ق ٧٦ / ١) وقال العقيلي : «العلاء بن المنهال لا يتابع عليه ، ولا يعرف الا به».
وقال ابن عدي : «وليس القوي».
قلت : وأما ابن حبان فذكره في «الثقات»!
ثم قال العقيلي :
«ولا يصح في الباب مسند ، وهو موقوف من قول عائشة».
قلت : الصواب عندي : أن الحديث صحيح موقوفا ومرفوعا ، أما الموقوف فظاهر الصحة ، وأما المرفوع ، فلأنه جاء من طريق حسنة عن عثمان بن واقد كما تقدم ، فإذا انضم إليه طريق الترمذي ارتقى الحديث ان شاء الله الى درجة الصحة.
(٢٧٩) متفق عليه عن ابي هريرة ، وهو مخرج في «الضعيفة» (٢٢٠٧) تحت حديث آخر عن انس مخالف لهذا في اللفظ.
(٢٨٠) في الأصل : لها.